السعودية ضغطت بكل ما لديها من مكانة سياسية خاصة في البيت الأبيض ،على إدارة الرئيس بايدن بإلغاء الهجمات المقرة والجاهزة والموضوعة على طاولة المكتب البيضاوي للمصادقة الرئاسية.
للسعودية قراءاتها من واقع مصالحها ، فالعلاقة مع الحوثي تمضي في طريق محفوف بالمخاطر، ومدجج بكل أسباب الإنتكاس والتراجع عن إنجاز مشروع التسوية ، وهي تدرك جيداً أن قصفاً إمريكياً سيتم الرد عليه بإستهداف المصالح الإمريكية، في أكثر المناطق رخاوة وحساسية ، حقول نفط المملكة جنوباً.
الحوثي بقدرة إقتفاء هروب الطرائد ، يعرف أن السعودية في حالة جندي فرار ، بعد أن تنازلت عن كل الأوراق ،ولم تبق معها سوى ورقتها الأخيرة ،السلام باي ثمن والإنسلال من هذا المستنقع اليمني ، بعد إنهيار كل شعاراتها الكبيرة بإسقاط الإنقلاب وإستعادة الدولة بالقوة وبالخيار العسكري.
إستحقاقات السعودية القادمة، بإستقطاب المصالح الدولية العملاقة إلى أراضيها، بحاجة إلى بيئة آمنة ، ولا مجال لنصف في المئة من إحتمال إقدام الرأسمال العالمي المتسم بالحذر، على خوض مغامرة الشراكة في وضع أمني غامض غير مستقر، قرار تفجيره بيد صنعاء لا الرياض ، من هذه النقطة ينقسم الراهن إلى طرف يستعجل طي ملف الحرب في اليمن -السعودية- ،وطرف حوثي ليس لديه مايخسره وبالتالي غير مستعجل على تسوية تبدد من بين يدية ورقة القوة ، وتطلق سراح السعوية من بين فكي الإبتزاز.
الحوثي يستغرق في التفنن بإبتكار المزيد من المطالب المنهكة، والرياض لاخيار سوى ترويض هذا النهم السياسي المالي المتوحش ، بضخ الترضيات والإنحناء أمام شروطه، حد الإستعداد في التضحية بالحلفاء، وتخفيض سقف حصصهم في التسوية ،وإعادة توصيف الشراكات والصداقات والخصومات ، على وقع الإجابة على سؤال : من قادر على حماية مصالحها وتحديداً الأمنية ، ومن مثَّل ومازال يمثل عبئاً سياسياً عليها.
التسوية رفضاً وقبولاً تمضي على هذا النحو المتصادم: الجماعة الحوثية بخطوات واضحة الأهداف، حيناً مع التسوية للحفاظ على تماسك جسمها العسكري، وتجنب المواجهة مع واشنطن، وغالباً برفض التسوية عبر قنواتها السياسية وإعلامييها ، لجعل رأس السعودية تحت أضراس الحوثي ومطارقه الثقيلة في حالة إنسحاق مستمر.
بين السعودية والحوثي، والخطة العسكرية الإمريكية المحتملة وأن كانت مؤجلة ، وتصعيد إيران لخطاب كاشف عن مطامعها الحقيقية في المنطقة ،بالإدعاء أن البحر الأحمر أصبح منطقة نفوذ إيراني ، وسط كل هذه التعارضات ، يبقى أمن ومصالح اليمن هو الغائب الأكبر ، وحقوقه الوطنية الإقتصادية وقراره السيادي ،مجرد خارطة على طاولة توزيع المصالح وتقاسم النفوذ، يحضر فيها الجميع إلا هذا اليمن المنهك والمطاح به من طاولة ترسيم المصالح، وكأن كل الأفرقاء طوال سنوات تسع من الإبادة ،يخوضون حروب (الوطنية)بإسم الوطن ولغير صالح هذا الوطن.