أنت تحصد ما تزرع. فالشعوب التي تهتم بالتوعية وبغرس "القيم الانسانية" وتعلم صغارها "مبكراً" معاني الرفق والصدق والتعاون و"إحترام النفس والغير" و"تقديس العمل" ستحصد النجاح والتقدم والتميز. والشعوب التي تعلم صغارها "مبكراً" الغش في الإمتحانات والنفاق والاعتداء على حقوق الغير والتعصب و"إحتقار العمل" ستحصد الأزمات وستغوص حتى اخمص رأسها في العجز.
المسألة لا سحر بها... ففي ابريل 2011 ضرب اليابان زلزال فتأثرت محطة فوكوشيما النووية وانهار أحد جدرانها. تسبب الزلزال في موت و تشرد الالاف وخلف العديد من المآسي. غير أن الملفت للنظر في هذه المأساة هو تصرف الشعب الياباني بشكل يثير "الاعجاب والاحترام"... فقد تميز رد فعله بالآتي:
1- الهدوء وضبط النفس. لم يكن هناك صراخ بالشوارع أو نواح وإنما حزن يتسامى.
2- إحترام الطوابير والنظام. فرغم الظروف الصعبة لم تشهد الطوابير إي عراك او سباب او حوادث عنف.
3- الرحمة. إشترى كل من الناس ما يحتاجه وكان هناك ما يتيح الفرصة للجميع لشراء شيئا ما. فلم تشهد الأسواق هيجان في التسوق او نقص حاد بالبضائع.
4- ضبط النفس. لم تشهد الاسواق ولا المصارف حالات نهب أو سرقة.
5- الإعلام ابدى درجة كبيرة من المسؤلية. فلا تعليقات تافهة او تصفية حسابات او استغلال الأزمة لنيل المكاسب السياسية.
6- التضحية. بقى حوالي خمسون عاملاً في المحطة النووية يضخون ماء البحر لتبريدها وخوفا من انفجارها رغم المخاطر الواضحة.
7- التضامن. فقد قامت المطاعم بتخفيض أسعارها تضامنا منها مع المتضررين.
8- عندما انقطعت الكهرباء اعاد الناس في الاسواق ماكانوا يحملونه الى الأرفف وخرجوا بهدوء.
9- تفيد تقارير للشرطة اليابانية عن تلك الفترة بأن الناس قد سلموها مبالغ كبيرة قد جمعوها من جثث موتى الانقاض.
كل هذه التصرفات لم تأتِ من "فراغ"، فالمجتمع الياباني لم يكن بهذه السمات منذ حوالى قرن مضى، بل على العكس... فأثناء الحرب العالمية الثانية تبدت الكثير من الصفات السلبية به واتصفـت الكثير من سلوكياته بالقسوة والغطرسة والعنف. وإنما اكتسب الصفات الجيدة منها نتيجة "عقود" من "العمل المتواصل" ومن "التعلم" والتدريب والتخطيط.. وغرس القيم الجيدة.. والاستفادة من الاخطاء ومن تجارب الغير والابتعاد عن المهاترات التي تضيع الوقت والجهد والمال، و تنهك الشعوب دونما جدوى.
أخيرا... الطريق الذي سلكته اليابان لازال "مفتوحاً" و"متاحاً" أمام الأخرين. فقط عليهم أن يعترفوا بأن أزمتهم الحقيقية هي أزمة "أخلاقية معرفية" وأن يكفوا عن "الشكوى والتذمر" و"تبادل التهم" وإصدار الأحكام ويتجهوا نحو "العمل" ويحاسبوا انفسهم قبل ان يحاسبوا الغير... فهل من فاعلين...؟؟
#من أرشيف الكاتب