فارس العدني
في وقت تعيش فيه مدينة عدن واحدة من أسوأ أزماتها الإنسانية والمعيشية، خرج البيان التحذيري الصادر عن أمن عدن ليصك آذان الناس بنبرة تهديدية مستفزة، يمنع فيها الاحتجاجات السلمية ما لم تكن مصحوبة بإذن مسبق، وكأن الخروج للمطالبة بالراتب والخدمات جريمة تستوجب العقاب والملاحقة.
هذا البيان لم يطفئ الغضب المتصاعد، بل صب الزيت على النار، وزاد من شعور الناس بالقهر والغليان. عدن، التي ترزح منذ سنوات تحت وطأة الانهيار الاقتصادي، وانعدام الخدمات، وانقطاع الكهرباء، وانهيار العملة، وتدهور الوضع الصحي والتعليمي، أصبحت مسرحاً لسلطة الأمر الواقع التي يمثلها المجلس الانتقالي الجنوبي وأذرعه الأمنية.
الناس في عدن لا يخرجون للفوضى، ولا للتخريب، بل يصرخون ألماً في وجه الجوع والحر والظلم. هم أكثر وعياً من أن يسمحوا لأي احتجاج أن ينزلق إلى مسار الفوضى، لأنهم يعلمون جيداً أن انحراف الصوت السلمي سيستخدم لتشويه مطالبهم المشروعة وتبرير قمعهم.
المشهد الذي صنعته نساء عدن يوم السبت الماضي لم يكن عادياً، لقد زلزل أركان السلطات، وتجاوز صداه حدود البلاد إلى المحيط الإقليمي والدولي، لأنه خرج من عمق المعاناة، ومن قلب أمهات وأخوات دفعهن الجوع واليأس والحر إلى الشارع. لكن بدلاً من أن تلقى هذه الصرخة استجابة أو حتى احتراماً، جاء الرد عبر بيان أمني يهدد ويخوّن ويمنع.
إن عدن اليوم ليست مدينة تفيض بالثائرين، بل مدينة أنهكها الإذلال وأرهقها الصمت. المواطن فيها بات عاجزاً حتى عن الوصول إلى ساحة احتجاج بسبب حرارة قاتلة وجيوب فارغة وبطون خاوية. كل من يحاول أن يرفع صوته يعرف أنه قد يواجه القمع أو السجن أو تهمة جاهزة تعيده إلى كوابيس الماضي.
البيان الأمني الأخير لا يعبر عن حرص على الأمن، بل يعكس انفصالاً كاملاً عن واقع الناس، ومحاولة لتكميم الأصوات الحرة، والتغطية على فشل ذريع في إدارة مدينة منكوبة بكل المقاييس.
عدن ليست ضد الأمن، لكن شعبها يحتضر. وهي لا تطالب بأكثر من حقها في الحياة بكرامة. أما البيانات المليئة بالتحذير والوعيد فلتحتفظ بها الجهات الأمنية في أدراج مكاتبها، ولتتذكر أن الظلم حين يطول لا يصنع أمناً بل انفجاراً.
عدن لا تحتاج بيانات، بل تحتاج إنصافاً، واحتراماً، واستجابةً لصوت بات أقرب إلى الأنّة منه إلى الهتاف