فارس العدني
منذ انتقال إدارة عدن إلى الجنوبيين بعد الحرب بدا أن الرئيس عبدربه منصور هادي أراد منحهم فرصة تاريخية لإثبات قدرتهم على إدارة مناطقهم وقد قالها بوضوح أنتم الحكام في الجنوب ابنوا دولتكم وقد نقل هذه العبارة الشيخ هاني بن بريك أمام الجميع في حينه غير أن هادي ظل متمسكًا بمشروع وطني أكبر هو مشروع اليمن الاتحادي من ستة أقاليم اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال يحكم كل إقليم نفسه في إطار دولة واحدة
لكن الواقع اليوم يكشف مفارقة مؤلمة فالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرفع شعار استعادة الدولة الجنوبية لم يقدم حتى الآن نموذجًا ناجحًا يقنع الناس بجدوى هذا المشروع لا تحسن في الخدمات ولا استقرار أمني ولا برنامج سياسي جامع يوحد الصف الجنوبي ويمنحه زخمًا وطنيًا حقيقيًا
بل على العكس تزداد حالة الإحباط بين المواطنين في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية بسبب الانفلات الأمني وانتشار الجبايات وغياب العدالة والتخطيط ويزداد هذا الإحباط عندما تتحول أي محاولة لنقد هذا الواقع إلى معركة مناطقية يقودها بعض أبناء الضالع دفاعًا عن قياداتهم دون تفكير أو نقاش في جوهر المشكلة مثال حي ثورة النساء بعدن والدعوه لخروج الرجال لنفس الهدف ومن يتوعد للحيلولة دون خروج الناس للمطالبه بتحسين الخدمات وتوفير الحد الادنى من سلطات الأمر الواقع بالعيش الكريم
التمترس المناطقي هو العقبة الأبرز أمام أي مشروع سياسي في الجنوب ومعظم من يديرون المشهد لا يقبلون الاختلاف أو التعدد في الآراء ولا يعترفون بالتنوع الثقافي والاجتماعي الذي يميز الجنوب باستثناء قلة قليلة من الأصوات الواعية مثل صلاح السقلدي ومحمد عباس ناجي اللذين يبدوان أكثر انفتاحًا وتقبلا للرأي الآخر وربما يعود ذلك لتأثرهم بثقافة عدن المدنية المتسامحة
عدن اليوم تعكس حال الجنوب بكل تناقضاته فهي العاصمة التي كان يفترض أن تكون نموذجًا لدولة الجنوب المنشودة لكنها أصبحت ساحة للفوضى ومرآة لعجز القابضين عليها ومواردها وجباياتها عن تحقيق أي تحول إيجابي ملموس
وإزاء كل هذا يبقى السؤال مفتوحًا إلى متى يظل المجلس الانتقالي يرفع شعارات لا تتجسد في الواقع وإلى متى يبقى المواطن يدفع ثمن سوء الإدارة وضعف الرؤية وغياب المشروع الحقيقي
الجنوب لا يحتاج فقط إلى استقلال سياسي بل إلى تحرير من الجمود والمناطقية وإلى مشروع وطني جامع يتسع للجميع ويعتمد على الكفاءة لا الولاء ويقدم نموذجًا يحترمه الداخل والخارج
إذا لم يحدث ذلك فإن الجنوب سيظل يدور في حلقة مفرغة من الشعارات دون أن يحقق حلم الدولة التي يطالب بها أبناؤه منذ عقود.