فارس العدني
تعيش اليمن واحدة من أكثر لحظات تاريخها تعقيدًا وتشظيًا، حيث لم يعد الانهيار مقتصرًا على مؤسسات الدولة وخدماتها، بل امتد ليطال ثقة المواطن في من يُفترض أنهم يمثّلونه، ويقودون معركته في سبيل استعادة الدولة وإنقاذ الوطن.
وسط هذا الواقع المنهك، تتجلى الحقيقة الصادمة: ما من سبيل للخروج من هذا النفق، إلا بإصلاح جذري يبدأ من رأس الدولة، لا من هامشها. فالشرعية التي تحمّلت – وما تزال – مسؤولية تمثيل اليمنيين، باتت بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة لأدواتها ورموزها، قبل أن تسقط في عيون من تبقّى من أنصارها.
لقد آن الأوان لأن تدرك المنظومة السياسية أن بقاءها بشكلها الحالي لم يعد مقبولًا، لا شعبيًا ولا دوليًا. اليمنيون لم يثوروا ويقاوموا ويصبروا طوال السنوات الماضية، ليجدوا أنفسهم أمام قيادة مرتبكة، عاجزة، ومكبّلة بعلاقات التبعية أو الصمت أو المحاصصة.
إن ما تحتاجه اليمن – اليوم، قبل الغد – هو بناء مؤسسة رئاسة فاعلة، تمتلك قرارها، وتحظى بثقة الداخل وثقة الشركاء الدوليين. مؤسسة تُجيد التفاوض لا التوسل، وتمثل قضية اليمن بكرامة لا بانكسار، وتؤسس لعلاقات تشاركية تحفظ المصالح الوطنية، وتوازن بين الأولويات الإقليمية والدولية.
الفرصة لا تزال قائمة…
لكنها تضيق، ولن تبقى مفتوحة إلى الأبد. وعلى القوى الوطنية أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في الدفع نحو إصلاح حقيقي وشامل، يبدأ من أعلى الهرم، لا من قاعدته، ويضع الكفاءة والنزاهة والانتماء للوطن فوق كل اعتبار.
فالسلام لا يُبنى بالشعارات، والاستقرار لا يُمنح كهبة، بل يُنتزع برؤية، وبمؤسسات تحترم ذاتها وشعبها.