المشروع الجنوبي بين أحلام التضحيات وواقع الانتقالي
الإتحاد نت

فارس العدني

لم يعد ثمة أمل في إصلاح المجلس الانتقالي الجنوبي أو التعويل على قياداته التي أثبتت – بالممارسة – أنها لا ترى في الجنوب سوى وسيلة لتمكين حاشيتها من مفاصل الدولة، والسيطرة على الجبايات، وإدارة الفساد. لقد أدرك كثيرون هذه الحقيقة مبكرًا، فيما ظل البعض الآخر يعيش على أمل سراب، سرعان ما تبدد على أيدي مجموعة طائشة متوترة، قذفت بها الظروف إلى الواجهة، فكانت النتيجة خراب مالطا؛ تبديد المشروع الجنوبي المأمول، واستنزاف مقدراته، واستباحة مؤسساته وأراضيه.

من أوضح الشواهد على هذا النهج ما جرى للقيادي الجنوبي النزيه سالم ثابت العولقي، ابن شبوة، الذي لم تشفع له نزاهته ولا انتماؤه التنظيمي. فقد اختار الانتقالي التضحية به حينما وقف في وجه شبكات الفساد في ملف الأراضي، ليبرهن أن الانتماء المناطقي والعصبية الضيقة أقوى من أي التزام تنظيمي أو وطني.

 

ما جرى لشبوة ليس استثناءً؛ فقد سبقها إقصاء ممنهج لأبين وكوادرها، بعدما استحوذ عيدروس الزبيدي وشلته على المشهد، مطبقين سياسة “الاستبعاد” بحق من لا ينتمي إلى دائرتهم الضيقة. أما حضرموت، فقد حسمت أمرها وبدأت بترتيب وضعها المستقل بعدما رأت التجربة المأساوية في عدن، حيث عاثت الفوضى والنهب في المباني الحكومية والأراضي العامة. وفي المقابل، ظلت المهرة على حيادها التاريخي، محتفظة بفسيفسائها الاجتماعي وتوازنها الداخلي، بينما الخارج حاضر بقوة في مشهدها.

 

المؤسف أن المشروع الجنوبي، الذي حلم به الناس وضحوا في سبيله، تآكل على أيدي هذه القيادات التي قدمت مصالحها الخاصة على قضية شعب بأكمله. وما نشهده اليوم ليس مشروعًا وطنيًا ولا سياسيًا، بل مجرد شبكة نفوذ مناطقي تسعى لتثبيت سلطتها حتى لو كان الثمن انهيار الخدمات، تفكك المؤسسات، وضياع تضحيات آلاف الشهداء.

 

لقد حذر رجال خبرة وعقلاء مبكرًا من هذا المسار، ومنهم الشيخ صالح بن فريد العولقي، لكن صوتهم غُلب بضجيج الشعارات الفارغة. واليوم، يبدو الجنوب أمام واقع أكثر قسوة: مشروع وطني تلاشى، وقيادات مأزومة ستعود – لا محالة – من حيث أتت، لكن بعد أن تترك وراءها أرضًا منهكة، ونهبًا ممنهجًا، وذاكرة جمعية مثقلة بالخذلان.

متعلقات