حضرموت.. إرث ثقافي وحضاري مستقل
الإتحاد نت

حضرموت منطقة واسعة تقع في شرق ووسط اليمن وتطل على خليج عدن. وتمتلك إرثا ثقافيا وحضاريا خاصا بها يختلف عن بقية المحافظات والمناطق اليمنية الأخرى. وقد عُرفت تاريخيًا باعتبارها منطقة مستقلة سياسياً وثقافياً واجتماعيًا وحضاريًا وقد وثقت النقوش القديمة هذه الهوية المتميزة لحضرموت. 

 

وتتميز حضرموت بهوية اجتماعية تنبع من إرث حضاري متأصل، ومن الناحية الاقتصادية كانت حضرموت مركزًا تجاريًا لتجارة البخور واللبان حيث شكلت حلقة وصل بين الهند والشام ومنطقة شرق أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط. 

 

يتمسك أبناء حضرموت بحقهم في الإدارة الذاتية لمحافظتهم، وخلال السنوات الأخيرة تعالت أصوات الحضارم المطالبة بأن تكون حضرموت للحضارم، رافضة أن تكون تابعة لمشروع التقسيم، الذي يتبناه المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، والمطالب بانفصال الشمال عن الجنوب.

 

يقول محافظ حضرموت سالم الخنبشي، إن “حضرموت عبر تاريخها الطويل ظلت محتفظة بهويتها ومستقلة بتاريخها وإرثها الحضاري والثقافي، ولم تكن يومًا ملحقة بأي مسمى، ولا نريد تجنيًا على هذا التاريخ العريق”.

 

وشدد الخنبشي خلال لقاء بمستشاري مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، أمس الخميس، على أن الحل الأمثل لاستتباب الأمن والاستقرار في المحافظة يكمن في عودة القوات التابعة للمجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة، خارج المحافظة.

 

وجاء ذلك بعد أن سيطرت قوات المجلس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي، مطلع الشهر الجاري، على مديريات وادي حضرموت ومقر المنطقة العسكرية الأولى التابعة للجيش اليمني، بالإضافة إلى محافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عُمان.

 

 

تاريخ حضرموت

 

تقول دائرة المعارف البريطانية، إن النقوش المسندية تشير إلى أن ملوك حضرموت شيدوا السدود وشقوا القنوات وأداروا نظاماً زراعياً متقدماً سمح باستثمار الواحات الخصبة في الوادي.

 

ومن أبرز مراكز تلك المملكة مدينة شبوة القديمة، التي كانت عاصمة حضرموت ومقراً لملوكها، وقد اكتشفت فيها نقوش ومعابد وآثار تكشف طبيعة الحياة السياسية والدينية والاقتصادية في تلك الحقبة.

 

وظلت حضرموت، بحسب المصدر ذاته، كياناً مستقلاً حين خضعت عدن للسيطرة الساسانية عام 571 ميلادية، واستمرت كذلك حتى دخولها في الإسلام عام 630 ميلادية.

 

في العصور الوسطى، تبعت حضرموت الدول الصليحية والرسولية والطاهرية التي حكمت اليمن من القرن الثالث عشر إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، لكنها احتفظت بقدر من الاستقلال بسبب امتدادها الجغرافي الواسع وصعوبة إخضاعها لسلطة مركزية واحدة.

 

مع تزايد الاهتمام العالمي بالمحيط الهندي في القرن التاسع عشر، اكتسبت حضرموت وزناً أكبر بحكم موقعها الساحلي، وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى أن هذا الموقع جعل بريطانيا تسعى لعقد معاهدات حماية مع عدد من السلاطين في جنوب الجزيرة العربية، ومنها السلطنتان الكثيرية والقعيطية في حضرموت.

 

ومع استمرار النفوذ البريطاني في المنطقة، أسست لندن عام 1962 اتحاد إمارات الجنوب العربي الذي ضم 12 سلطنة ومشيخة، غير أن سلطنتي حضرموت ظلتا خارج هذا الاتحاد بحسب الوثائق الرسمية البريطانية.

 

يقول بدر باسلمة - وزير النقل السابق -، مادامت حضرموت تمتلك هويّة وتاريخًا وحضارة مختلفة ، أليس من حق أبنائها الاحتفاء بعلَمٍ يُجسّد  هوية حضرموت ؟

 

وأضاف، أن ” علَم حضرموت ”  تعبيرٌ بأننا مختلفون ، وأنه يجب أن يكون لدينا القرار في خيارات مستقبلنا ، الذي  يليق بهذه الهوية والتاريخ العريق .

 

وتابع: بكل وضوح لقد أدرك الحضارم أن ” هويّة حضرموت” مختلفة ، وليس من حق أحد إذابتها داخل هويّات أخرى، او الادعاء بتمثيلهم لها, وأن حقَّ تقرير المصير لأبناء حضرموت ..حق قائمٌ ، وتوجّه عادل يتمسك به ابناء حضرموت .

 

 

الهوية الثقافية لحضرموت

 

تعد حضرموت مركزاً مهماً للتراث المعماري اليمني، وتشكل عمارتها الطينية أحد أبرز معالمها، خصوصاً في مدينة شبام التي تعرف بـ"مانهاتن الصحراء" بسبب مبانيها الطينية الشاهقة.

 

وتمثل مدينة تريم الوجه الديني والثقافي لحضرموت، إذ ارتبط اسمها بالعلم الشرعي وبشخصيات دينية كان لها حضور واسع في العالم الإسلامي، بينما تحتفظ مدينة الشحر بتاريخ بحري عريق بوصفها ميناء نشطاً لتصدير السلع عبر البحر العربي.

 

على مدار قرون شكلت حضرموت هوية ثقافية خاصة بها حيث يمتلك الحضارم فنوناً وتقاليد وأعراف خاصة تختلف عن تلك الموجودة في المناطق المجاورة، وقد طورت حضرموت نموذج فني وغنائي خاصًا بها يعرف بالدان كما ظهر العديد من الفنانين والمطربين الحضارم الذين يعبرون عن ثقافتها حضرموت وتراثها الفني والغنائي الخاص بها مثل أبوبكر سالم والمحضار وكرامة مرسال وغيرهم. 

 

ويعدّ الدان الحضرمي من أبرز فنون الغناء في حضرموت بتميّزه عن غيره من الفنون في طريقة وضع ألحانه والنظم عليها، وهو ابن بيئتيه الجغرافية والاجتماعية، ويتناغم معها في بطء حركتها وسرعتها.

 

أدرجت لجنة التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، اليوم الأربعاء 10 ديسمبر/كانون الأول 2025، ملف “جلسة الدان الحضرمي” على قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.

 

وقال سفير اليمن لدى اليونسكو الدكتور محمد جميح إن لجنة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو أقرت إدراج الدان الحضرمي خلال دورتها العشرين المنعقدة حاليا في مدينة نيودلهي الهندية، مشيرا إلى أن هذا الإنجاز يمثل تتويجا لجهود استمرت لسنوات، منذ انطلاق فكرة التسجيل وحتى اعتمادها رسميا اليوم.

 

النموذج السياسي والاجتماعي في حضرموت: 

 

كونت حضرموت نموذجًا سياسياً خاصًا بها يختلف عن المناطق المجاورة لها حيث عاشت ككيان مستقل تديرها السلطنات المتعاقبة، وقد عملت السلطنات على إدارة الشؤون الداخلية لحضرموت وإدارة علاقتها مع الدول والمناطق المجاورة وهو أمر عزز ثقافة الاستقلال والحكم الذاتي لدى أبناء حضرموت عبر العصور.

 

وقد عُرفت حضرموت كدولة مستقلة منذ ماضٍ سحيق ولم تندمج تحت أطر الدولة الحديثة إلا في وقت متأخر وقد جاء ذلك نتيجة ضغوطات خارجية أكثر من كونه تطور طبيعي لتجربة الحضارم السياسية أو انسجام مع تجاربهم التاريخية. 

 

وعلى المستوى الاجتماعي فقد حافظ الحضارم علي عقد اجتماعي مستقل حيث تميزوا بتكوين نموذج متماسك للأسرة وحسن الخلق في تعاملاتهم مع بعضهم البعض أو مع الآخرين، وقد برهنت هجرات الحضارم عن أخلاق الحضرمي إذ يُنسب الفضل إليهم في دخول العديد من سكان شرق أفريقيا وجنوب شرق آسيا إلى الإسلام بفضل حسن تعامل أبناء حضرموت معهم. 

 

استقلال حضرموت: 

 

ينظر أبناء حضرموت إلى الاستقلال بنظرة مختلفة عن تلك التي تنظر إليها القوى الأخرى كالمجلس الانتقالي الجنوبي حيث يرى الحضارم أنّ حضرموت يجب أن تستقل كإقليم ضمن الجمهورية اليمنية أو كدولة مستقلة.

 

لا ينظر الحضارم إلى الاستقلال كمطلب سياسي بل يعتبرونه الطريقة الوحيدة للحفاظ على هويتهم الثقافية وإرثهم الحضاري والتاريخي وبالتالي فإنّ حضرموت يجب أن تكون الحضارة فقط كما كانت في الماضي وليست في إطار دولة تجمع ثقافات مغايرة تختلف عن ثقافة وإرث حضرموت. 

 

عند النظر إلى التاريخ نجد أن حضرموت تمتلك هوية ثقافية وحضارية خاصة تختلف عن هوية المناطق المجاورة وقد مكنتها هذه الهوية من تكوين نظام ذاتي للحكم يدير شؤونها الداخلية ويتولى مسؤولية علاقاتها الخارجية بالدول والمناطق المجاورة وأنّ إدخال حضرموت ضمن إطار دولة أخرى غالبًا ما يأتي ضمن ضغوط خارجية وفرض قوة قاهرة على حضرموت وأبناءها وليس امتداداً طبيعيًا لهويتهم الثقافية والحضارية المستقلة.

 

 قوات "المجلس الانتقالي" المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، اقتحمت محافظة حضرموت، في 3 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بالقوة، ومارست انتهاكات كبيرة، في محاولة لفرض السيطرة على جغرافية جنوب اليمن بالكامل وفرض سلطة أمر واقع.

 

ووسط تصاعد التوترات في حضرموت، تجددت المطالب الحكومية بانسحاب قوات المجلس الانتقالي الجنوبي من المحافظة، والتحقيق في الانتهاكات، مع تحذيرات من الإجراءات الأحادية على الاستقرار، وتأكيد دولي لوحدة البلاد.

 

حلف قبائل حضرموت لا يزال متمسكا بمطالبه بأن "تكون حضرموت إقليماً مستقلاً بذاته وفق جغرافيتها المعروفة"، على أن يتمتع الإقليم بحقوقه السياسية السيادية كاملة غير منقوصة، مع المطالبة بتخصيص 40 في المائة من المواقع في السلطات الاتحادية لصالح الإقليم

 

فيما يرى محافظ حضرموت سالم الخنبشي، أن الحل الأمثل يكمن في عودة القوات التابعة للمجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة لضمان عدم حدوث صدام وتجنيب المحافظة أي صراع، وملء الفراغ بقوات من أجهزة الأمن من أبناء المحافظة، بمساندة قوات "درع الوطن".

متعلقات