على رصيف المكلا، فتى يسكب الحلم في أكواب الكفاح
في قلب مدينة المكلا، وعلى رصيف الشارع العام، وقفت أمام بوابة مجمع الكليات بجامعة حضرموت، أراقب المارة، والطلبة، والباعة المتجولين، هناك، عند زاوية المساكن، لفت انتباهي شاب يافع، يحمل في عينيه وهجًا لا يشبه التعب، يبيع الشاي على طاولة حديدية وصندوق خشبي يحتوي على مستلزمات تحضير الشاي من على رصيف الشارع العام، وهو يبتسم لكل من يقترب منه، وكأن الحياة لم تثقل كاهله يومًا. اقتربت منه، سألته عن اسمه، فقال: أنا أحمد عمر شاب في مقتبل العمر، يحمل على كتفيه مسؤولية أسرة، ووالد كبير في السن، ووالدة أنهكها الزمن لم يكن يبيع الشاي فقط، بل كان يسكب في كل كوب قصة كفاح، ونكهة حلم، ودفء وطن. سألته: ما الذي دفعك لهذا العمل؟ أجابني بثبات: مسؤوليتي نحو أسرتي، ورد الجميل لوالدي ووالدتي، لا أملك الكثير، لكنني أملك إرادة لا تنكسر. أخبرني أنه أنهى الثانوية، وينتظر العام القادم ليلتحق بهذه الجامعة التي يقف أمامها كل يوم، لا ليبيع الشاي فقط، بل ليغذي حلمه، ويشرب من وهجها طموحًا لا يهدأ قال: "اخترت هذا المكان لأنني أعشق هذه الجامعة، وأتمنى أن أكون أحد طلابها قريبًا." سألته: وهل سوف تترك العمل عندما تدرس وتلتحق بالجامعة؟ رد علي قائلاً: لا، سوف أدرس في الصباح، وأعمل في المساء، لا وقت للراحة، فالحلم لا ينتظر، والكرامة لا تُؤجّل. أدركت في تلك اللحظة أن أحمد عمر ليس مجرد شاب يبيع الشاي، إنه تجسيد حي لليمن: بلاد الكفاح والنضال، بلاد الطموح الذي لا يُهزم، والعطاء الذي لا ينضب. هو ابن الأرض التي تُنبت الصبر، وابن المدينة التي لا ينطفئ ضياؤها، تُعلّم الأمل فقد تُخرّج من بين أزقتها رجالًا لا يعرفون الانكسار. أحمد عمر... لم يكن بائع شاي فقط، بل كان سفيرًا للكرامة، رسولًا للحلم، ومرآة لشعب عظيم، لا يرضى إلا بالقمة.