للأيام سمات ومظاهر وذكريات ، وللمدن مكانة كبيرة في نفوسنا وعظيمة في قلوبنا منذو الصغر وخصوصا المدينة التي شهدت ميلادك للحياة ونشأت وتعلمت في احياءها ومدارسها.
وظلت (عدن) ثغرنا الباسم وعلى الدوام هي الحضن الدافئ لنا وبكل أحياءها الكبيرة المعروفة...ومنها مدينة الشيخ عثمان ، فماهو تاريخ هذه المدينة ، وماسبب تسميتها ، وماهي اهميتها بالنسبة الى جاراتها من المدن والقرى ؟.
من خلال القراءة والاطلاع لتاريخ المدينة التي بدأت قرية متواضعة نشأت حول ضريح ومسجد في وقت ما في النصف الاول من القرن الحادي عشر الهجري(السابع عشر الميلادي) واصبحت على مشارف القرن 21 أكبر حواضر حوض وادي لحج وأكثر مدن عدن كثافة في السكان ، واتسعت هذه القرية بسرعة مذهلة مابعد الحرب العالمية الثانية حيث وصلت حدودها الادارية عند العماد شرقا، والسائلة غربا وطغت على دارسعد شمالا وأوغلت في حوض لحج حتى صار عمرانها الى قرب صبر وسط الدلتا ، ولم تتميز باتساع المساحة فحسب ، ولكن برحابة في الأفق الفكري والاجتماعي والاقتصادي وتميز اهلها بالمواكبة والانطلاق والتغيير ، والتفاعل مع التطر أكثر مما أكسب مدينة عدن تلك المدينة القديمة التي حصرت بين البحروالجبل اللذين شهدا قرونا من الاحداث ميزتها بالمحافظة على القديم ومواجهة الحداثة بالحكمة والصبر الجميل.
لاتوجد فكرة ثقافية اوحادثة سياسية ، او جدل فكري الا وكان لمدينة الشيخ عثمان دورا فيها ولاتنطلق شرارة من مدينة عدن إلا وتصبح نارا فيها يذكيه حماس أهلها ...ولاحتى بذرة لتحرك قضية وطنية..إلا ونمت لها فيها فروع وجذور وأغصان وبقيت فيها الحرف بكسر الحاء والصناعات التراثية القديمة كالصباغة والحياكة وصناعة المدر ، وسائلات يجري فيها البيع والشراء للحطب والماء والمواشي وزينتها الشوارع بالاشجار والبساتين العطرة الى وقت قريب قبل أن ترثها المصانع الحديثة ، والبنايات السكنية ، وتصبح بدلا من محطة للقوافل محطة لشريان المواصلات البرية الى كل اليمن وسميت باسم الولي المقبور في ضريح في الناحية الشمالية الشرقية منها ، وقل من يعرف موقعه إلا من عاش في المدينة ، على الرغم من موقعه بالقرب من طريق رئيسي الا انه اختفى بأشجار السيسبان والبناء بتلك الضاحية.
وهو الشيخ عثمان بن محمد الوكحي الربيزي نسبة الى قبيلة ربيز وهي قبيلة انتشرت من الحبيل على فروع العماد من وادي تبن الى الوهط في الفرع الثاني منه ، بل وقبر ولي اخر من اقاربه عرف بأبن عثمان في الفيوش قرية بين العماد والحبيل بضم الحاء. ولايعرف له تاريخ ميلاد او وفاة ، ولكن كان يوجد على باب قبة الضريح(1111)هجرية(1698_1699)ميلادية ..أي بعد انسحاب العثمانيين من اليمن......لكن ماذكره الجرموزي في السيرة المتوكلية عن تحركات الصفي احمد بن الحسن _عند تفقده بنادر اليمن لأصلاحها وتحصينها خوفا من الهولنديين والانجليز _ انه وصل عدن في1070 وتفقدها: ((ولما تم ذلك توجها راجعا ولربه طائعا فصار الى مكان أسمه الشيخ عثمان وأقام فيها ثلاثا ثم ارتحل الى الزيادي وأقام فيه يومين ثم الى الحبيل ثم الى شعب الاجعود)).
ثم يسرد محطات الطريق الى صنعاء عبر قعطبة وذمار ، ومازالت هذه المواقع معروفة في خط القوافل التي تذهب الى ردفان..شاهدة حتى اليوم... ، فتقع الزيادي على الوادي الكبير من وادي تبن شمال الوهط وفي شمالها الغربي تقع الحبيل ، ثم شعب الاجعود نسبة الى( الجعد) احدى قبائل ردفان.
ويمكن اتخاذ ذكر اسم الشيخ عثمان في هذا المخطوط قرينة بانها كانت موجودة في1070هجرية(1656)ميلادية بصفة مؤكدة ، وهذا لاينفى انها وجدت قبل هذا في فترة بين نهاية القرن العاشر وهذا التاريخ....فلا يوجد للشيخ عثمان أشارة في تاريخ ثغر عدن ولا قلادة النحر لباكزمة ، وقد عاش الى القرن الى منتصف القرن العاشر وذكر كل ماورد الى عدن من الصلحاء والعلماء ولا في تاريخ البريهي وقد أستقصى صلحاء اليمن ومنها لحج وعدن وتوفي في اوائل القرن العاشر ولا في تاريخ (البرق اليماني) الذي وصل في تاريخه الى العقد التاسع من القرن العاشر ولا يرد أسمها بعد ذلك في اي مصدر تراثي معروف.
قال المؤرخ/عبدالله محيرز رحمة الله عليه ولكن تردد كثيرا في المصادر الاجنبية ، وكان أقدمها وصف رحلة لهنري سولت البريطاني في سفارة له الى عدن في 1809م في طريقه الى الحبشة ، كجزء من الحملات الاستطلاعية التي قام بها بحارة وتجار وسياسيون الى اليمن أيام محمد علي باشا وتوطئة للاحداث التي توالت في جنوب البحر الاحمر وأختتمت بأحتلال عدن1839م فقد وصفها سولت عندما مر بها في طريقه الى لحج بدعوة من سلطانها ، بأنها ضريح ومحطة للقوافل سميت بالشيخ عثمان.
يبدو انها ظلت بهذه الصفة المتواضعة طيلة القرن والنصف منذ نشوئها اما ولستد ، الذي زارها ايضا في طريقه الى لحج في 1835م ، فقد وصف ضريح الشيخ عثمان ((على بعد ثمانية اميال من عدن وقفنا لبرهة لشرب القهوة عند ضريح الشيخ عثمان ، والضريح فريد في شكله هو عبارة عن مبنى مربع الشكل يتكون سقفه من عدة قباب صغيرة مصفوفة متوازية ، وقبة كبيرة في الوسط على الموضع المقدس الذي يقع به جثمان الشيخ )).
ولعلى الشيخ عثمان بقيت بهذا الشكل حتى دخول الانجليز عدن ، وبدأت بعد ذلك في النمو وتركزت فيها حركات المقاومة ضد وجود الاستعمار البريطاني في عدن ، بدأت بحركة الشريف أسماعيل الذي هاجم فيها جبل حديد ، وهجوم خاطف تكرر ضد الحاميات البريطانية ادت الى زحف للقوات البريطانية الى الشيخ عثمان وتدمير الحصن والقرية1858م ثلاثة وعشرون سنة قبل شرائها من السلطان فضل بن محسن.
وفي المسح الذي قام به فوستر لمصادر المياه والعلف والخضروات للمناطق الواقعة بجوار عدن وصف الشيخ عثمان كما كانت(1870_1871) كمايلي: ((قرية منتعشة مأهولة نوعا ما تربط طريق لحج وعدن ، وفيها محطات للقوافل وبيت واحد مبني على الطراز الاوروبي وبستانان او ثلاثة ، وحولها أرض قاحلة غالبا ماعدا في بعض المواسم وتحوي100بيت وعشة ، وثمانية دكاكين)).