النجاح السعودي في الحالة اليمنية.. تجاوز القلق المزمن

اتفاق الرياض جاء ليدحض كل الأسئلة عن الكيفية التي سيولد بها هذا الاتفاق بين الفرقاء في اليمن، فمن المؤكد أنه سيشكل اللبنة الأكثر ثقلاً في إعادة تشكيل الكيان اليمني، والتوجه نحو تحرير اليمن من ظاهرة التدخل في مشروعه السياسي..

 

اليمن تاريخيًا يقف على قائمة الاهتمامات السياسية السعودية، وهذا بلا شك أمر يمكن قراءته ومشاهدته عبر الجهود السياسية والاقتصادية، بل على كل المجالات التي تبذلها السعودية بقيادة خادم الحرمين وسمو ولي العهد؛ من أجل يمن أكثر استقرارًا. التاريخ دائمًا ما يدعم الجهود التي تقدمها السعودية للمشكلات اليمنية خلال المئة عام الماضية تحديدًا، بل ثبت أن السعودية لا يمكن منافستها في فهم وإدراك اليمن، فهي الجارة الأكثر أهمية للسعودية، ولا توجد في الجزيرة العربية دولة لديها قدرات السعودية في التعامل مع الملف اليمني، حتى جيران اليمن من جهات عدة ليست لديهم القدرة السياسية والتاريخية لفك الأزمات اليمنية.

 

المملكة دولة تمارس الالتزام الأخلاقي والقيمي والتاريخي في تعاملها مع اليمن أحد أهم جيران السعودية، وهذا ما يفسر الحساسية السعودية تجاه منعطفات اليمن، وتجاه ردع كل المحاولات للتدخل فيه، واليمن بطبيعته السياسية لا يتحمل تغيير قواعده السياسية عبر تدخلات كتلك التي تحاول إيران تنفيذها على الأرض عبر ميليشيات تحاول عبر المال الإيراني والدعم الاقتصادي، أن تنفذ مشروعًا انفصاليًا وحزبيًا يمكن أن ينشأ في اليمن.

 

إذا كانت إيران الطائفية تعتقد أن اليمن أرض قابلة لاستزراع نموذج طائفي يشبه الموجود في بعض الدول التي تتدخل فيها، فهذه الفرضية ينقصها السند التاريخي، فالطبيعة القبلية والمجتمعية والاقتصادية والتكوين السياسي تنقض كل الفرضيات القائلة إنه يمكن بناء نموذج حزبي في اليمن يشبه (حزب الله، أو الحشد الشعبي).

 

لقد جاء اتفاق الرياض ليدحض كل الأسئلة القائمة قبله عن الكيفية التي سيولد بها بين الفرقاء في اليمن، هذا الاتفاق من المؤكد أنه سيشكل اللبنة الأكثر ثقلاً في إعادة تشكيل الكيان اليمني، والتوجه نحو تحرير اليمن من ظاهرة التدخل في مشروعه السياسي.

 

لقد عكست بنود الاتفاق مساحة واسعة من العمل المشترك؛ حيث رسمت الأهداف نحو عمل متكاتف، هدفه أن يتخلص اليمن من أزمته السياسية بأي شكل كان، مع دعم كامل لكل الفرص السياسية قبل العسكرية لإعادة الاستقرار إلى هذا البلد، الذي عانى تدخل الغرباء فيه، وأعني بذلك تدخل إيران في خاصرة الجزيرة العربية.

 

اليمن يقع في خاصرة الجزيرة العربية جغرافيًا، ويقع في قلب الجزيرة العربية من حيث الأخوة والجيرة والدم العربي، وهذا ما يجعل له مكانة مميزة في السعودية تحديدًا؛ حيث تشكل السعودية الأخ الأكبر والأهم بين دول الجزيرة العربية، وهذه الحقيقة التاريخية هي الرسالة الأولى التي يخبرنا بها التاريخ، أن السعودية لم ولن تفقد الأمل، ولن تتعامل مع الواقع اليمني كحقيقة غير مريحة، ولن تقبل بأي شكل من الأشكال أن تكون خاصرة العرب في يد من يعبث بها أو شعبها، ومهما كانت الوعود التي يطلقها المحتلون لليمن، فإن التاريخ يخبرنا أن المستقبل لن يأتي بما هو أفضل لليمن دون أن يكون ذلك في إطار محور اليمن الجغرافي؛ حيث السعودية ودول الجزيرة العربية الأخرى الحريصة فعليًا على مستقبل اليمن.

 

الأخوة في اليمن عليهم أن يدركوا أن الموازنة موجودة ومتوافرة في كل تجربة سياسية يمرون بها، وهذا جزء من اتفاق الرياض، الذي وضع الجميع في مركبة إنقاذ اليمن دولة التاريخ والحضارة، فالدافع الوحيد الذي يحقق هذه الموازنة هو اليمن ووحدة اليمن، والإحساس بالعجز وعدم القدرة على التقدم في المشروع الإصلاحي واستقرار اليمن هو شيء من الماضي؛ حيث يجب ألا يغرس فيكم اليأس والخسارة مهما كانت العقبات، واتفاق الرياض (أكتوبر 2019) يحقق التوازن المطلوب من أجل اليمن، ويمنحكم القوة جميعًا لبناء مستقبل اليمن والسير بخطى سياسية واضحة وإحساس قوي بالتحرر من الأهواء والمصالح المنفردة ليتجه الجميع إلى اليمن وبنائه.

 

المشروع السياسي اليمني يجب أن يتحقق من أجل الشعب اليمني، فحتى القوى المحتلة يجب اختبارها من خلال هذا الاتفاق التاريخي، الذي وضعت فيه السياسة السعودية كل ثقلها؛ لمنح اليمن الفرصة التاريخية للمصالحة والمشاركة السياسية الهادفة إلى تحقيق المصلحة، بعيدًا عن امتيازات وكالة إيران الحزبي. القيم السياسية اليمنية التي صنعها هذا الاتفاق برعاية سعودية هي المشروع الفعلي والمستقبلي الذي يجب أن تنتهي إليه الأزمة اليمنية.