" الأرض الطيبة" رواية للكاتب السوفييتي شولخوف الحائز على جائزة نوبل وصاحب الرواية الشهيرة "الدون الهادئ". تتحدث الرواية بصورة نقدية عن التطبيق الاشتراكي لنظام التعاون الزراعي فيما عرف بنظام الكلوخوزات الذي عرف في الادب الغربي بنظام collectivisation ، وذلك في مقاطعة من مقاطعات الدون جنوب روسيا. كان القوزاق من سكان نهر "الدون" خلال الفترة منذ الثورة السوفيتية ١٩١٧ قد تعرضوا كمحاربين أشداء لاستقطابات طرفي الحرب الأهلية التي امتدت حتى عام ١٩٢١ بين : حزب "الكاديت" والحرس الأبيض من بقايا النظام القيصري والبرجوازية والكولاك ( أغنياء الفلاحين) من ناحية ، والحرس الأحمر السوفيتي البلشفي والحكومة السوفييتية من ناحية أخرى . كانوا قد طحنتهم الحرب .. إذا اتجهوا جنوب الدون وجدوا أنفسهم مرغمين على ترديد نشيد " يحيا القيصر" ، أما إذا بقوا في قراهم في شمال الدون فما عليهم سوى أن يقبلوا الحياة الجديدة التي صاغتها البلشفية كنظام إجتماعي كان من الصعب على القوقاز أن يتقبلوه حتى الفقراء منهم ، وخاصة في المرحلة الأولى عندما كان عليهم ان ينظروا إلى الكنيسة كرمز لتخلفهم ومعاناتهم وكأداة بيد القيصر والكولاك . وبعد سنوات من الحرب ، حتى أواخر العام ١٩٢٠ استقر الأمر للنظام السوفييتي . ومعه بدأت مرحلة من تثبيت النظام الاجتماعي . على مدى سنوات ، ظل النقاش يدور حول الفرق بين التعاون ونظام الكومونة !! فبينما يقوم نظام التعاون على توفير الخدمة لأعضاء التعاونية دون مساس بالملكية الخاصة ، فإن نظام الكومونة يصادر الملكية الخاصة ويحولها الى ملكية تعاونية ، وهو الأمر الذي التبس في التطبيق السوفييتي على نحو أربك التجربة بأكملها في المجال الزراعي . بصورة درامية ، لا تخلو من خيال خصب لأديب كبير . يصور الكاتب كيف أن النظرية النبيلة تحتاج الى فهم نبيل لتطبيقها والا فإنها تفقد نبالتها وتتحول الى فكرة تعسفية . الفلاح الروسي ، الذي ورث ركاماً من العبودية فيما كان يعرف ب " الموجيك الروسي" اي الفلاحين الارقاء ، يختلف عن العامل الروسي من حيث الوعي ومن حيث علاقته بالأرض وبوسائل الإنتاج والحيوانات التي هي جزء من شخصيته ، كما أن نظام الكلوخوز ، أي التجميع ، من وجهة نظر الفلاحين النشيطين لا يخدم غير الكسالى .. فبينما يشتغل الفلاح النشط هو واسرته ويكدح ويوسع نشاطه ، فإن الفلاح الكسلان يتحول مع المدى الى فقير معدم وبالتالي فإنه من الخطأ معاقبة الفلاح النشط بتصنيفه كولاك( أي فلاح غني) ومصادرة ممتلكاته لصالح الكلوخوز ، ومكافأة الفلاح الكسلان بتمكينه من السيطرة على الكلوخوز . ( طبعاً هذا لا يشمل اراضي الاقطاع التي كانت قد حسمت بشكل آخر ) . كانت هذه أبرز المآخذ التي تمسك بها الفلاحون في مقاومتهم لهذه التجربة ، وكان الفلاحون يرون أنهم في حاجة إلى التعاون أكثر من حاجتهم الى الملكية الجماعية . الجزء الثاني ------------ كان هناك اختزال تعسفي لاسباب الفقر المدقع للفلاحين، وهو الاختزال الذي ينسبه لأسباب ذاتية متجاهلاً الاسباب التاريخية ومنها الاستغلال الوحشي الذي تعرض له الفلاحون والذي اسفر عن ترسيب علاقات انتاج طبقية أدت إلى اتساع رقعة الفقر في الريف الروسي . كان الحوار ، الذي سجله الروائي السوفييتي "شولوخوف" ، والذي كان يدور بين الفلاحين وقادة الحزب في المنطقة حول هذه المسائل من أهم ما سجله الفكر الاشتراكي من نقد للتطبيق الاشتراكي في مجال الزراعة . وكانت ذروة الدراما هي عندما صدرت أوامر للمسئول الحزبي ، في المنطقة التي تجري فيها أحداث الرواية ، بمصادرة ممتلكات أحد الكولاك ( الفلاحين الأغنياء) في منطقته ، وكانا رفيقين في الحرب ضد الالمان في جبهة بولندا إبان الحرب العالمية الاولى ، ويعرف اخلاصه لروسيا والنظام السوفييتي ، وكيف أنه عمل بعد انتهاء الحرب على إعالة نفسه واسرته بالعمل في قطعة أرض صغيرة وتوسع بجهده واسرته ليكون مزرعة جعلته "كولاكاً" في التصنيف التحكمي يومذاك لفئات الفلاحين . عندما تسلم هذا المسئول الحزبي الأمر بمصادرة أرض وممتلكات رفيقه هذا الذي كان يعتبره نموذجاً للروسي المخلص لوطنه ، صعب عليه أن يعتبره عدواً طبقياً ، تردد في التنفيذ ، على الرغم من أنه كان يرى أن قرارات القيادة لا تناقش .. لكن المسألة تركت في نفسه أسئلة شوشت قناعاته كلها .. وتذكر كثيراً من تناقضات الحياة ، واستعاد الى ذاكرته أنه قرأ ذات يوم أن أحد المثقفين الثوار "ظل يكتب ويحلم بتحقيق السعادة لروسيا ، لكنه يمتنع عن أن يرد التحية للفلاح الذي يحييه بمزيد من الإحترام ". وعندما أسر هذه الهواجس لمسئول المديرية الأعلى منه مرتبة وشرح له الوضع ، قال له المسئول إحتفظ بهذه المعلومات ، وفكر في التالي : ألم يكن رفيقك هذا مستعداً للموت دفاعا عن روسيا في جبهة بولندا ، قال له نعم ، وأنا شاهد على بطولاته . قال المسئول الكبير : نحن الان لا نريده يموت ، ولكننا نريده يتنازل عن ملكيته من أجل روسبا أيضاً . لم يكن في حديثة أي فذلكة ، كان يعبر عن موقف حازم تجاه العملية الجارية ، الكلخزة، باعتبارها مستقبل الاتحاد السوفييتي كما أكدت القيادة . لكن المسئول الحزبي للمقاطعة كانت قناعاته قد اهتزت من الأعماق ، ولم تكن تلك الكلمات قادرة على ترميم الشروخ التي أحدثتها تلك الهزات . وتذكر حياة الفلاحين البائسة ودمعت عيناه ، لكن قائده نهره وذكره بحقيقة أن الفقراء لا ينتظرون منا الدموع ، بل المنجز الذي يجفف دموعهم .. وقال له ما الذي يريدونه من دموعنا ؟؟هل هذه الدموع سترطب كسرة الخبز الاسود الجاف ليسهل لهم بلعه ؟! وراح يتساءل كيف له أن يقنع نفسه بأن هذا الفلاح المقاتل من أجل حرية وسيادة روسيا عدواً طبقيا . أخذ التطبيق الخاطئ يحدث ردود أفعال جعلت القيادة تصدر بيانها التاريخي الذي أدخل إصلاحات واسعة فرقت بين ما عرف بمزارع الدولة أي الملكية المحتمعية والتعاونيات التي حافظت على الملكية الخاصة التعاونية . تذكرت وأنا أقرأ رواية " الأرض الطيبة" زيارتنا الى مدينة قصيعر بحضرموت عام ١٩٧٥ وهي مركز لصيد الاسماك على ساحل بحر العرب برفقة الرئيس الراحل سالمين رحمه الله . وسيكون هذا موضوع الحزء الثالث باذن الله
مشاركة رواية "الارض الطيبة" ورحلة الى "قصيعر" -حضرموت ذات مساء الحلقة1
2020/07/29 - الساعة 05:07 مساءً