غادرت الوطن وأنا طفل في ربيعي السابع وقد كنت ارتعد حينها خوفا ورعبا كالطفل الذي أصابه البلل في طقس بارد ، مما شاهدته من الموت في بلدتي خاصة وفي امتداد جغرافيا الوطن عامة ، الأمر الذي جعلني أتنقل في أنفاق المنفى إلى تسعينيات القرن المنصرم ؛ لذلك أنا لاأعرف الرجل لكنني سأروي ماسمعته ومارأيته عنه ومنه في العقدين الأخيرين من عمره ... عاش الدكتور يعقوب عبد الله قاسم الصبيحي بسيطا ومات بسيطا مع أنه من الكبار ، في أثناء تكليفه بإدارة بعض المؤسسات العلمية ، أحب وطنه فقدس الدستور وطبق القانون واختار سبيل النزاهة الأمر الذي جعل منه فقيرا في الحياة ومعدما في لحظات الممات ، ظل يمقت العنصرية ويرفض المناطقية والقبلية ونظام الطبقات ، لم يظفر ورثته بشيء من المال أو العقار بعد موته ، لكنه ورث لهم وللأجيال سجلا أكاديميا حافلا بالعطاء ومثالا في النزاهة وفنونا في الإدارة و الأداء ولآلئ من بحار الكيمياء ..... غير أن ما أحزنني ومزق فؤادي اليوم وأنا في قاعة العزاء أنني لم أر رجلا من رفاقه - مع كثرتهم - يرتجل خطابا عزائيا يوضح سيرة الرجل العلمية والوطنية لمن يجهلها ؛ لأن كثيرا منا الحاضرين في العزاء لايعلم شيئا من شخصية الدكتور يعقوب .... الأمر الذي جعلني اتساءل مع نفسي ... ما الذي أصاب نخبتنا العلمية ؟ أهو عجز في الأداء أم عدم الإحساس برحيل العظماء أم ضمور قد أصاب خلايا الإبداع لدى الرفقاء أم لأمر قد أراده الله وشاء .....
في عزاء الفقيد يعقوب .....
2021/09/23 - الساعة 05:00 صباحاً