تمزُقنا

قال تعالى: ﴿وَمِنهُم مَن يَقولُ ائذَن لي وَلا تَفتِنّي أَلا فِي الفِتنَةِ سَقَطوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحيطَةٌ بِالكافِرينَ﴾ هذه الآية الكريمة جاءت في سياق عدد من الآيات الكريمات الاخريات تبين حال المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بإختلاق الأعذار والحيل حتى يأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المضي إلى الجهاد فتصف حالهم بانهم قد وقعوا في الفتنة في حين زعمهم أنهم لا يريدوها ولم تصف الآية وقوعهم هذا بأنه وقوعا عاديا خفيفا بل هو سقوط في الفتنة من شدته وهوله تهيأت جهنم له واحاطت به من كل جانب ويذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الإحاطة تبدأ بهم من دنياهم هذه ممتدة بهم إلى آخرتهم.

    والتعبير بالسقوط يدل على ان هولاء المنافقين قد وقعوا في الفتنة العظمى وهي فتنة النفاق والكفر من غير ان يستعدوا لها ولا يتهياوا كالساقط في هوة من حيث ظن أنه يسير في طريق سهل يوصله إلى السلامة، فهولاء قد وقعوا في مهلكة يتردون في دركاتها إلى أسفل سافلين__ نسأل الله تعالى أن يجنبنا فتنة كهذه وأية فتن أخرى_. وللفتنة يا أخواننا معان كثيرة، أجمعها قولهم انها: الوقوع في المكروه، وهي بهذا المعنى تشمل الوقوع في الحرام والكفر والنفاق ومختلف صور الشرك بالله فهي فتنة الدين وما أعظمها من فتنة، وتشمل معانيها أيضا الوقوع في المعصية وفي العذاب، وتشمل ايضا الوقوع في البلبلة في الأفكار السيئة والمظلة والإضطرابات، بل ويدخل فيها العصيان والخروج على نظام الدولة وإتفاق جماعة على قلب نظام الحكم. ما أكثر الفتن وما أكثر ألوانها، ترى من هم السالمون منها هذا الزمان.

  وفي بلدنا اليمن هذا بيئة خصبة للفتن تفرخ هذه البيئة الفتن من كل لون وصنف وتجد لهذه الفتن رعاة مخلصين لها ينموها ويكبروها ويحسنوا صيانتها وبقاءها.

  ولو ألقينا نظرة سريعة تتبعها في هذا البلد المغلوب على أمره لراينا في تاريخه مالا يحصر أو يعد.

  فالناظر في التاريخ القريب يرى انه كانت تسود في هذا البلد فتنة التشطير فهناك شطران شمالي وجنوبي تسود في كل شطر منها دولة لاتلتقيان على هدف، ولا تسعيان إلى شرف، معجبة كل دولة بنفسها وترى نفسها هي وحدها على الحق المبين، وأختها الأخرى في الضلال المبين، وما كانت الدولتان إلا ذيلين تابعان لغيرهما من الدول الأخرى وإن بدت على نظاميهما مظاهر السيادة والإستقلال في القرار فلا سترت هذه السيادة عيوبهما ولا اسعدت فيهما شعبيهما ولا صدت عنهما خطبا، ولا أطاعت بحكميهما ربا، ثم توحد الشطران في دولة واحدة وفي داخل هذه الدولة قوى وجماعات وقبائل وأحزاب واشخاص نافذون وشياطين مخفيون وظاهرون يعبثون داخل دولة الوحدة هذه إلى أن ضاعت الوحدة وأقامت حربا ظروسا على نفسها وشعبها بزعم الحفاظ على الوحدة وكانت هذه الحرب اولى علامات فشل الوحدة الكبرى واشدها إيلاما على الشعب.

   وشهدت اليمن تمزقا وتفككا وتفتتا وفتنا وصراعا لم نشهده قبل توحيدها، فمسمى الدولة واحدا، ومن يضيع هيبة الدولة ويعبث بها ويسخر الدولة لمصلحته أناس متعددون ومتنوعون، وبعد مايقارب عقدين من الزمان أو تزيد قامت على الدولة ثورة من داخل الدولة، فضاعت الدولة وظهر في الشمال مايشبه الدولة وفي الجنوب مايؤكد اللادولة واصبح اليمن ضحية لأبنائه وفريسة يتنافس عليها أخوانه وأعداؤوه وحلفاؤوه، وسيطرت بعض القوى على أجزاء او محافظات من البلد وقوى أخرى على أجزاء ومحافظات أخرى وكل من هذه وتلك يطمح ان ياخذ ما تحت يد الأخرى وليست هذه القوى داخلية خالصة فنلتمس لها العذر وليست خارجية خالصة فنشنع عليها الامر ولكنها خليطة من هذه وهذه، يحتار فيها العقل فلا المحليون عرفوا مايضرهم، ولا الخارجيون حصلوا على ماينفعهم، وليس للعاقل إلا أن يعترف بأنها الفتنة تطل بقرونها وتغرس أنيابها في جسد الجميع، فلعن الله الفتن ماظهر منها ومابطن.

 والسؤال هو: اليس لهذه الفتن نهاية؟ ألم يحن الوقت ان نرى للخير في هذا البلد بداية؟

ما بالنا نعرض عن امر ربنا، وهو يأمرنا: بالتعاون على البر والتقوى وينهانا: عن التعاون على الإثم والعدوان. ما بالنا نعرض عن امر نبينا وهو يقول لنا: سددوا وقاربوا بشروا ولاتنفروا، وهو يقول!!! لنا ايضا: لايؤمن احدكم حتى يحب لأخيه مايحبه لنفسه، ويقول لنا ايضا: المسلم أخو المسلم لايظلمه ولايسلمه ولايخذله ولايظلمه ولايحقره، ألسنا كلنا مسلمون؟

 وهو يقول لضبط علاقاتنا ومعاملاتنا: لا ضرر ولا ضرار.

   أو كما قال صلِّى الله عليه وسلّم أليس فينا رجل رشيد نسأل الله تعالى ان يهيئ لنا من امرنا رشدا صلوا على نبيكم محمد وسلموا عليه تسليماً كثيراً.