على هامش الإنجازات الوهمية .....

لقد انتشرت كثير من الأمراض الخطيرة  في المجتمع ، ومنها على سبيل التمثيل ؛ السرطان والإيدز وكورونا وغيرها من الأمراض الفتاكة بحياة الإنسان ، غير أن الداء الأكثر خطرا على مجتمعنا هو داء الوهم إذ أصبح ينتشر في أوساط المجتمع كالنار في الهشيم الأمر الذي قد يصاب به المجتمع كافة إلا من رحم ربي ، وهذا هو الداء الذي ليس له دواء لاسيما عندما يصبح ثقافة ، ولا أظن أن في مجتمعنا من مازال محصنا من هذا الداء ؛ لأن تكريس هذا الداء ونشره في أوساط مجتمعنا  قد بدأ من ستينيات القرن المنصرم إذ توجهت النخبة الحاكمة من أول يوم في ثورة 14 اكتوبر 1963م تستورد الوهم من الخارج وتتعاطاه على شكل جرع صباحية ومسائية حتى إذا ما آمنت به قامت بتصديره للبسطاء والعامة في المجتمع ، الذي يقبع تحت سطوتها ويرتعب من جبروتها ، وظلت تأمرهم بأن يتغنوا بذلك الوهم وينشدوه صباح مساء حتى يطربوا لتلك الأغاني والأناشيد الوهمية ثم يرقصوا  على وقع أنغامها فرحين غير مدركين أن ماقيل لهم مجرد أكاذيب وخزعبلات وأوهام لايتحقق منها على أرض الواقع شيئا ، بل إن ظنهم لايختلف عن ظن المسافر في الصحراء وقد نفد منه الماء ، إذ يظل ينظر إلى الأمام في هاجرة النهار فيرى سرابا يتلألأ في مرمى ناظريه ، فيسرع في المسير عله يظفر بتلك الأنهار السرابية ، لكنه لايظفر بغير الموت ظمأ ، وهكذا مجتمعنا الذي صدق الأوهام وكان ومازال وسيبقى يركظ وراءها حتى يظفر بالموت جوعا وظمأ وحسب .... وأكاد أجزم أن مجتمعنا لن يفيق ولم يتعاف من هذا الداء ؛ لأن الأمر لم يعد سحابة سراب عابرة بل أصبح ثقافة سائدة في مجتمعنا ، وهذه الثقافة قد امتزجت بتفكيرهم وسلوكهم ، وعشعشت في عقولهم وقلوبهم وامتزجت بهويتهم ...... وحتى يأتي المقال أكله عند من مازالوا لم ينغمسوا تماما في مستنقع الوهم ، وهم قلة قليلة بعدد الأصابع على ما أظن ، نضرب شيئا يسيرا من الأمثلة ، لكي لايطول المقال ؛ من تلك الأمثلة أننا حضرنا ندوة لتقييم الثورة سلبا وإيجابا ، فسمعنا بروفسورا يقول : كانت أمريكا بجيوشها وأساطيلها وهيمنتها وسطوتها تعيش حالة رعب من الجيش الجنوبي . ولم يكتف بهذا القول بل عاد وقال : كان إذا عطس جندي من الجيش الجنوبي ارتعدت جزيرة العرب وبقيت في حالة رعب من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها . فبقينا نضحك وحسب لعل في الضحك ردا كافيا على أوهامه . كذلك أهديت لي مجلة منمقة في غاية الجمال من الخارج ، تصدرها مؤسسة حكومية في حاضرة بحر العرب ، أعجبت بشكلها الخارجي كثيرا ، وقلت لعل مابداخلها سيؤثر في نفسي وعقلي وتفكيري أكثر من شكلها الخارجي الجميل ، الأمر الذي جعلني استعجل الذهاب إلى المتن ، فوجدت عنوانا بارزا يقول :  انجازات المؤسسة في شهري سبتمبر وأكتوبر : كانت النفس تسابق النظر بدافع الفضول لمعرفة تلك الانجازات ، وإذا بها تتجاوز العشرين فقرة في عددها ، لكنها في مجملها ضرب من الوهم لاتوجد فقرة واحدة تشير إلى شيء تحقق على الأرض ، منها : 1- قامت قيادة المؤسسة في الأول من سبتمبر بزيارة الأخ الرئيس فلان ..... 2- قامت قيادة المؤسسة في منتصف اكتوبر بالجلوس  مع الأخ المحافظ فلان ..... وهكذا دواليك في بقية الفقرات ... نسأل الله العلي القدير أن يعافي مجتمعنا من هذا الداء الخطير الذي أفسد البلاد والعباد .......