كان للبيان الصادر عن (جماعة نداء السلام)، بشأن دفن النفايات النووية في تهامة اليمن، وتأثيراتها الكارثية على الحياة، كان له صدى واسع، مازال يتردد، نظراً لخطورة الموضوع الذي تضمنه. وقد صدرت إثر نشر البيان تعليقات كثيرة، من داخل اليمن ومن خارجه. منها تعليقات أشارت إلى أن موضوع النفايات موضوع قديم، كتب البعض عنه مقالات، قبل عقود من الزمن، لم تلتفت إليها الجهات الرسمية، ولم يلتفت إليها السياسيون، سواءً في السلطة أو المعارضة. ومنها تعليقات تحدثت عن جهود علمية بُذلت ولم يكترث بها أحد. ومن هذه الجهود العلمية، على سبيل المثال لا الحصر، ما ذكره الزميل الأستاذ الدكتور عبد الله باعيسى، الأستاذ في كلية العلوم بجامعة صنعاء (متقاعد حالياً). فمما ورد في تعليقه على البيان: "شكراً دكتورنا الفاضل على التواصل. الحديث عن النفايات النووية ليس بجديد. فلقد جمعتُ عينات في اليمن وحللتها بالأجهزة المتوفرة في المختبرات المركزية بكلية العلوم. ولقد وجدت نسباً عالية التركيز لبعض عناصر تلك العينات. ونشرت تلك النتائج عبر الإذاعة والتلفزيون، ولم يتحرك أحد. وظهرت في عدة مناطق تشوهات خلقية، نتيجة لارتفاع تركيز هذه العناصر فيها".
الموضوع إذاً قديم، لم تلتفت إليه الجهات المسؤولة، ولم تنصت إلى الأصوات القلقة المحذرة _ وهذا ما أكده البيان _ ولم تدرك مدى ما تشكله النفايات القادمة من المصانع الأوربية من خطر على الحياة البشرية والبيئة الطبيعية في اليمن، على مدى زمني طويل جداً (بعض التقديرات ترى بأن هذه النفايات ستستمر في إصدار إشعاعات نووية لالآف السنين). وإذا كان بيان جماعة نداء السلام قد أثار هذا القدر من التفاعل، فإن ذلك لا يرجع إلى كون الموضوع جديداً، بل لأن الآثار المميتة لهذه النفايات، قد أخذت تظهر في مناطق تهامة بشكل مفزع، عكسته بعض الصور والتقارير، التي نُشرت مع البيان، والتي نُشرت بعد صدوره.
ولأن الإحساس بخطر دفن النفايات النووية في الأرض اليمنية يشكل قاسماً مشتركاً لكل اليمنيين، فقد تجاوب مع البيان وعمل على توسيع دائرة نشره الكثيرون منهم. ومن بين المتجاوبين من كانوا قد اختلفوا مع جماعة نداء السلام، في رؤيتهم للحرب والسلام، منذ أطلقت الجماعة نداءها في مطلع عام 2017م، لإنهاء الحرب وإحلال السلام. وهذا أمر له دلالاته. فالإحساس بالخطر الداهم، من جراء دفن النفايات النووية في الأرض اليمنية، حرك الغيرة الوطنية والإنسانية لدى كل اليمنيين، ووحد مشاعرهم وموقفهم وأظهر معدنهم الأصيل ووطنيتهم، التي لا تؤثر فيها خلافاتهم حول هذه المسألة أو تلك، عندما يتشاركون الشعور بخطر يهدد حياتهم كيمنيين ويهدد وطنهم. وهذا ما يجب أن نبني عليه عملاً مشتركاً، نتفاعل جميعنا من خلاله ونتوحد، ويمكن أن يمتد تفاعلنا وتوحدنا إلى دوائر أخرى، بما فيها دائرة الحرب والسلام.
لقد تم تداول الصور المفزعة لآثار إشعاعات تلك النفايات على أطفالٍ حديثي الولادة في تهامة اليمن، تم تداولها محلياً وعربياً وعالمياً. فهزت بشاعتها الضمير الإنساني، وأبدى الكثيرون تعاطفاً مع اليمنيين، يمكن أن يشكل بداية لتحرك مؤثر على مستوى العالم، هدفه على وجه التحديد:
1_ تشكيل لجنة خبراء دولية، تتولى التحقيق في هذه الجريمة الإنسانية.
2_ العمل على محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة.
3_ إجبار الجهات التي ارتكبت هذه الجريمة على تحمل المسؤولية الأخلاقية والمادية، وعلى دفع التعويضات العادلة لكل من أصابته آثار الإشعاعات المنبعثة من حاويات النفايات، المدفونة في باطن الأرض اليمنية، وتعويض اليمن أيضاً، عما لحق ببيئته الطبيعية من أضرار مهلكة.
4_ إجبار الجهات المصدرة لهذه النفايات على نزعها وإعادتها إلى مصادرها، ومعالجتها هناك بالطرق الممكنة، وتحريم تصديرها مرة أخرى إلى البلدان المستضعفة.
5_ محاسبة الجهات المحلية، التي سمحت بدفن هذه النفايات في وطنها.
ولكي يصبح الحراك مؤثراً ويحقق أهدافه المرجوة، لابد من اعتماد عمل منظم ومتابعة مستمرة، يشارك فيهما اليمنيون بمختلف أطيافهم، وبغض النظر عن اصطفافاتهم الحالية ومواقفهم المتباينة، تجاه الحرب والسلام. فالخطر الذي تشكله الإشعاعات المنبعثة من النفايات النووية المدفونة، يهدد أبناء اليمن جميعهم، ويهدد اليمن كله، لعشرات، إن لم يكن لمئات الأجيال القادمة. ولذا لابد من أن يتوحد اليمنيون جميعهم في مواجهة هذا الخطر.
وبما أن التحرك الخارجي، يمكن أن يُرى ويُسمع، وسيكون له تأثير أسرع من التحرك الداخلي، فإن الخطوة الأولى في التحرك الخارجي يمكن أن تبدأ بمبادرات من قبل اليمنيين في مهاجرهم، وفي مختلف مناطق شتاتهم. ففي كل بلدان العالم، التي يتواجدون فيها، ولا سيما البلدان الأوربية والأمريكية، يتوجب عليهم أن يشكلوا لجاناً يشارك فيها أصدقاؤهم والمتعاطفون معهم في هذه القضية، من مختلف الجنسيات والأديان والطوائف والاتجاهات السياسية، باعتبار هذه القضية قضية إنسانية عامة، لا تخص اليمنيين وحدهم، وجريمة عالمية، ارتكبتها جهات عالمية ومحلية عدة، على رأسها المجمعات الصناعية في ما يسمى (العالم الحر)، بجشعها وتوحشها ولا إنسانيتها، وسعيها إلى تحقيق أعلى درجات الربح المادي على حساب الشعوب المستضعفة. ولأنها قضية إنسانية عامة وجريمة عالمية، فلا بد أن تتضافر كل الجهود الإنسانية التواقة إلى الخير والعدل، في العمل لتحقيق العدل والإنصاف وتأمين السلامة لليمن واليمنيين.
ولكي يكون الحراك الخارجي مؤثراً في كل بلد من بلدان العالم يتواجد فيه اليمنيون، لا بد أن تقوم هذه اللجان بكتابة العرائض والنداءات وتقديم الوثائق والصور والتقارير إلى المنظمات الدولية والحركات السياسية والاجتماعية، في تلك البلدان، وتنظيم المسيرات والمظاهرات والوقفات أمام مكاتب الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها من المنظمات الدولية المعنية، وأمام سفارات الدول الكبرى، دائمة العضوية في مجلس الأمن. ولابد أن تعمل، أي هذه اللجان، على إطلاق حملة إعلامية منظمة، في وسائل الإعلام الأجنبية والعربية، ونشر المادة الوثائقية، التي تبين فظاعة الجرم المرتكب بحق اليمنيين. هذه فعاليات يتوجب على اليمنين في الخارج تصدرها، وهم قادرون على ذلك، دون شك. ففيهم كفاءات عالية، مؤهلة لقيادة حراك عالمي من هذا النوع.
وفي ختام هذه العجالة، لا أنسى، كأحد منتسبي جماعة نداء السلام، لا أنسى أن أحيي كل من تفاعل مع البيان ونشط في نشره واعتبر أن القضيةَ المثارةَ هي قضيتُه، وهي قضيته فعلاً، ومنهم أشقاؤنا العرب، وعلى رأسهم الأخ العزيز الأستاذ الدكتور قيس محمد نوري، الذي ساهم مع رفاقه وأصدقائه من الكتاب والصحفيين في توسيع دائرة نشر البيان ومرفقاته من الصور المفجعة، في المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحافة الإلكترونية العربية، لا سيما في أوربا. والتحية موجهة أيضاً لإخوتنا اليمنيين، لاسيما الذين اختلفوا معنا وتباينت رؤانا في قضية السلام، ولم يمنعهم هذا التباين من أن يتفاعلوا إيجابياً مع البيان ومع القضية المثارة فيه، تفاعلاً فاق كل التوقعات. وموجبات التحية لهؤلاء لا تتمثل بتفاعلهم مع هذه القضية. فالمرء لا ينتظر من أحد أن يحييه لقيامه بواجبه تجاه قضية هي قضيته. بل لأنهم لم يسمحوا لأي تباين في الرأي بأن يحول دون مشاركتهم في تبني قضيتهم هذه. ولا أريد أن أذكر أسماءً بعينها، فالأشخاص الذين تجاوزوا كل التباينات، وعبروا في موقفهم عن حس وطني عال، هم كثيرون.
وبما أن هذه القضية هي قضية كل اليمن، فإن أيادينا لابد أن تتشابك وجهودنا لابد أن تتضافر، لكي نستطيع معاً أن نوصل وجع اليمنيين إلى كل زاوية من زوايا العالم، ونخلق رأياً عاماً عالمياً ضاغطاً، يجبر الجهات الدولية المعنية، وفي مقدمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يجبرها على تشكيل لجنة تحقيق من خبراء دوليين، تتولى التحقيق في ملابسات دفن النفايات النووية في بلادنا، وتحدد المسؤوليات، وتفرض التعويضات المنصفة، وتعمل على نزع حاويات هذه النفايات وإعادتها إلى البلدان المصدرة لها، لتقوم مصانعها بمعالجتها بالطريقة التي تراها، بدلاً من إبادة الشعوب المستضعفة، التي ابتليت بأنظمة حاكمة، لا تقيم وزناً لحياة مواطنيها ولا لسلامة أوطانها.
فلنتحرك، ومعنا إخوتنا العرب وكل ذي ضمير حي على امتداد العالم، لنتحرك صفاً واحداً في مواجهة الخطر. وليوحدنا نحن اليمنيين إحساسنا المشترك بهذا الخطر. وهو إحساس سيفتح أمامنا السبل لنتوحد في مواجهة كل الأخطار التي تهدد وجودنا. ولنتذكر دائماً بأن الأنين وحده لا يكفي ولا يجدي، إذا لم يتحول، عبر العمل المشترك والجهود المتضافرة، إلى فعل مؤثر.