من ساحات النضال إلى قاعات السفارات… حين تُختزل القضايا في تذاكر سفر

فارس العدني

 

لم يكن كثير من البسطاء يتخيلون أن أولئك الذين صعدوا على أكتافهم ذات يوم، وهم يلوّحون بشعارات “استعادة الدولة الجنوبية”، سينتهي بهم المطاف في مكاتب فخمة، يمثلون “دولة الاحتلال” التي طالما وصفوها بالغاصبة والمستبدة.

 

ها هو أحد أبرز رموز الانتقالي، الذي كان ذات يوم يحشد الخطاب الإعلامي ضد “صنعاء المحتلة”، يصبح اليوم ممثلًا رسميًا للجمهورية اليمنية في دولة كبرى كروسيا. تحت العلم ذاته الذي وُصف بالخيانة، وتحت قسم الولاء ذاته الذي دُفع الآلاف لرفضه.

 

لقد زايد البعض باسم القضية والنضال حتى كبرت أرصدتهم وتعددت سفرياتهم. تركوا خلفهم من صدّقهم، يعيش في عوز وتضحية مستمرة، بينما هم اليوم بحاجة – كما يبدو – إلى “سياحة ونقاهة” دبلوماسية، لا بأس أن تُموّل من ميزانية الدولة التي قيل عنها إنها “تنهب الجنوب وتُهمّش رجاله”.

 

المفارقة ليست في التعيين فقط، بل في الصمت المريب ممن كانوا بالأمس يهتفون ويُكفّرون من تسوّل له نفسه الاقتراب من “الشرعية”. فإذا بالتعيين الدبلوماسي اليوم يصبح “منجزًا سياديًا”، ومقاعد السفراء تُوصف بأنها “استحقاق نضالي”.

 

أين هي الدولة الجنوبية؟ وأين ذهبت خيام الاعتصام؟ وأين دُفنت دماء الشهداء؟

أسئلة مؤجلة في انتظار شعب أرهقته الخيبات، لكنه ما زال يحتفظ في ذاكرته بصورة من ضحّى، ويعرف جيدًا من غادر خلسة تحت غطاء المنصب.

 

إننا اليوم أمام مشهد يتكرر: قضية تُستخدم مطية، وشعب يُستخدم وقودًا، وقيادات تهرب نحو الامتيازات.

ولا عزاء إلا لمن بقي يرفع صوته بأن الكرامة لا تُختصر في منصب، وأن السيادة لا تُباع بجواز دبلوماسي.