ازدانت المآذن بمصابيح الإضاءة، وتزينت الشوارع بأوراق الزينة الملونة، وتهيأت الأجواء استعدادا لاستقبال الزائر السنوي "الكريم"، شهر رمضان.
وفي مصر، زخرت المحال التجارية بالفوانيس أشكالا وألوانا؛ منها الكبير والصغير والصامت والناطق بكلمات أغاني رمضان الأولى.
وإذا كان الفن هو "استشفاف الظاهر وتخليد العابر"، كما يقول الكاتب والأديب يحيى حقي، فقد استشفّ الشعراء صورَ رمضان، وأجواءه وسطروها في أغنيات وإنْ كانت موسمية إلا إنها "خالدة" يتجدد أثرها في النفس لدى سماعها.
فقط الكلمات لم ينَل منها الزمن، أمّا الصوت في أغاني تلك الفوانيس فقد بات محاكاةً "إلكترونية". وكالفوانيس، تجد هذه الأغنيات الموسمية رواجا في رمضان في وسائل الإعلام المختلفة المسموع منها والمرئي.
ولا تزال أغاني رمضان الأولى وحدها بلا منافس حقيقي قادر على الصمود في ساحتها، رغم قِدمها وبعضها مستمد من الفلكور، بل إن هناك مَن يُرجع بعضا من تلك الكلمات إلى العصر الفرعوني، ومن ذلك كلمتَي "وحوي ... إيّاحه" اللتين تعنيان "مرحَى بالقمر"، في إشارة إلى هلال رمضان.
ولقد تناولت أغاني رمضان أوجها مختلفة، منها أطوار الشهر القمري، وأحوال الناس فيه.
البداية
أغنية "وحوي يا وحوي .. إياحة"، هي إحدى أكثر الأغنيات ارتباطا بشهر رمضان، وهي مستوحاة من الفلكلور، وقد تغنّتْ بها حتى الفوانيس صينية الصُنع. وهي من تأليف حسين حلمي المانسترلي وغناء أحمد عبد القادر.
وتنافسها في قوة الحضور والدلالة على الشهر الكريم أغنية "رمضان جانا .. وفرحنا به .. بعد غيابه .. وبقاله زمان ..". وهي كلمات حسين طنطاوي ولحن محمود الشريف، وغناء محمد عبد المطلب، الذي قيل إنه حصل على ستة جنيهات مقابل غنائها، ولما صادفت هذا الحظ من النجاح قال: "لو أننى أخذت جنيها واحدا مقابل كل مرة تُذاع فيها الأغنية لأصبحت مليونيرا".
ومن أغاني استقبال الشهر أيضا، أغنية "مرحبْ شهر الصوم مرحبْ .. لياليك عادت بأمان.. بعد انتظارنا وشوقنا إليك، جيت يا رمضان". وهي من تأليف محمد علي أحمد، وألحان وغناء عبد العزيز محمود.
وغنّى الموسيقار فريد الأطرش من كلمات بيرم التونسي أغنية "هلّتْ ليالي حلوه وهنيّة ..." في إشارة إلى ليالي رمضان.
رمضانيات للأطفال
وللأطفال نصيب كبير من تلك الأغاني، شأنها في ذلك شأن كل المناسبات. وقدّمت فرقة الثلاثي المرِح أغنيات مثل "أهو جِه يا ولاد..."، و"افرحوا يابنات يالّا وهيصوا"، وهما من كلمات نبيلة قنديل وألحان علي إسماعيل.
ولم ينسَ محمد فوزي الأطفال في رمضان، وهو الذي أثرى عالمهم بأجمل الأغنيات، فغنّى لهم من كلمات عبد العزيز سلام، أغنية "هاتو الفوانيس يا ولاد ...".
كما ضمّ فيلم "قلبي على ولدي" من إنتاج عام 1953 صورةً غنائية للطفلة (آنذاك) هيام يونس من كلمات فتحي قورة وألحان أحمد صبرة، تناولتْ حماس الأطفال للصيام في رمضان وازدهاءهم بذلك. وتقول فيها: "اصحى يا نايم وانتي يا نايمة .. اشمعنى انا م المغرب قايمة؟"
المسحراتي
ليست شخصية الفانوس وحدها حِكرًا على رمضان، وإنما تُزاحمها شخصية المسحراتي، ذلك الضاربُ ليلاً في الشوارع يوقظ النائمين بالنقر على طبلته لكي يتناولوا وجبة السحور.
واشتهر بتجسيد شخصية المسحراتي الفنان سيد مكاوي، وإنْ لم يكن الوحيد في هذا المضمار؛ إذْ سبقه إلى ذلك الفنان محمد فوزي مغنيا كلمات بيرم التونسي، ولحقه عمار الشريعي حين تغنى بكلمات جمال بخيت، وربما سار على دربهم آخرون.
يقول الشاعر فؤاد حداد على لسان وألحان سيد مكاوي "اصحى يا نايم وحِّدْ الدايم.. اصحى يا نايم وحِّد الرزاق.. رمضان كريم".
المناكفة بين الأزواج في رمضان
وفي إطار فكاهي لتصوير بعض الأشخاص الذين يضيق صبرهم مع الصيام، عبّر الشاعر حسين السيد عن هؤلاء في دويتو غنائي بعنوان "الراجل دا هايجنني" للمطربة صباح والفنان فؤاد المهندس، من ألحان محمد الموجي.
وتقول فيه صباح: "الراجل ده هايجنني.. ييجي رمضان وخْناقُه يزيد.. عايز طباخّة سكة حديد". ويرد المهندس قائلا: "يا خواتي صايم وراجل شقيان، ومراتي عايزة تجوعني حتى في رمضان".
ويعد هذا الدويتو من أشهر الأغاني المصورة التي تتناول فكرة المناكفة بين الأزواج فيما يتعلق بطعام الإفطار في رمضان.
في وداع رمضان
إذا كانت رؤية الهلال مدعاة للترحيب بشهر رمضان، فإن اكتمال القمر يؤذن أيضا بالتأهب لتوديعه. وقد عبّر عن ذلك الشاعر عبد الفتاح مصطفى، وغنّتْ شريفة فاضل من ألحان عبد العظيم محمد أشهر أغنية في وداع رمضان، وهي "تم البدر بدري.. والأيام بتجرى.. والله لسه بدري والله يا شهر الصيام".
كما أنشد محمد رشدي من كلمات محمد الشهاوي وألحان حسين فوزي أغنية "يا بركة رمضان خليكي .. خليكي في الدار".
وقد شدا محمد قنديل بكلمات عبد الوهاب محمد وألحان جمال سلامة "رمضان رمضان .. والله بعودة يا رمضان.. ياشهر العبادة، والخير والسعادة، والرضا والغفران".
وهي من الأغاني التي تعدد فضائل هذا الشهر الذي يحتل مكانة خاصة في قلوب المسلمين.
/BBC عربي