الحوار لغة بناء الأوطان

الحوار هو لغة العقل ، ولغة الحضارات السامية ، بل هو لغة الفكر الرفيع والمفكرين الأسوياء ، ولنا في رسول الله أسوة حسنة ، ألم يقدم كثيرا من التنازلات في صلح الحديبية ، مع أنه يحمل راية الحق وخصومه راية الباطل ، فضلا عن أنه يرتبط مباشرة بعدالة السماء ، ويأتمر بأوامر خالق السماوات والأرضين ومن عليهن ، ومع ذلك كله عندما طلب من كاتب الوثيقة علي بن أبي طالب أن يبدأها (باسم الله الرحمن الرحيم) ، صرخ ممثل قريش ، سهيل بن عمرو قائلا ، وما الخلاف الذي بيننا وبينكم إذا قبلنا البسملة ؟ قال الرسول  امسح البسملة ياعلي واكتب مايريد سهيل ، قال الأخير اكتب (باسمك اللهم) ، فكتبها علي ، ثم قال الرسول  اكتب هذا ما اتفق عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو ، فصرخ مرة أخرى سهيل قائلا :  لو قبلنا أنك رسول الله لما قاتلناك ، عندها قبل معلم البشرية حذف صفته ، غضب عمر لذلك ، وقال : يارسول الله ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال الرسول بلى ياعمر ، قال الأخير ، ولماذا إذن نقبل الدنية في ديننا ؟ فرد رائد علم الكلام وزعيم فن الحوار ، دع الأمر لي ياعمر ، ثم استكمل كتابة الوثيقة التي تنص على عودة الجموع الإسلامية بقائدهم محمد إلى دار الهجرة ، بعد أن نووا واغتسلوا وأحرموا ولبوا وقطعوا المسافات الطويلة باتجاه مكة المكرمة لأداء العمرة ، وهذا كان التنازل الثالث  ، أما التنازل الرابع فكان قبول الرسول  إعادة كل من يسلم من قريش وحلفائها ، ثم يهاجر للالتحاق بركب المسلمين في المدينة ، إلى قريش وحلفائها في مكة ، وليس عليهم إعادة من يرتد عن الإسلام إلى المدينة  ... وهنا تكمن نتائج فن الحوار ، إذ كان في ظاهره التنازل وقبول الهزيمة من محمد وأصحابه ، وفي باطنه حمل تفرغ محمد للقضاء على أعدائه من اليهود في المدينة ، وفتح مكة من غير تكلفة تذكر بعد أن انتهى من أمر اليهود ، وكل هذا تحقق في زمن لايزيد على عامين ... أخي القارئ لقد حاولت الإيجاز ما استطعت إلى ذلك سبيلا في هذا التمهيد القصير لموضوع الليلة إذ أشرت إلى شيء من فعل مؤسس علم الكلام وصانع فنون الحوار ... أحبتي القراء ، لا أنكر أنني شاركت في معظم فعاليات الحراك إن لم تكن كلها ، على امتداد الوطن طولا وعرضا ، ومع ذلك لم أنتسب يوما إلى حزب أو مكون ، وبقيت أنتسب إلى الإطار العام ، أي إلى وطننا الغالي الذي يستطيع استيعابنا جميعا ، وذلك ليس كرها أو معارضة للأحزاب والمكونات الوطنية ، لكنني أعلم أن الانتساب إلى الحزب أو المكون حتما سيؤثر في حرية الفكر ، ويقلل من عظمة رسالة الأديب ، أعود إلى موضوع الليلة ، صحيح إن برنامج الحوار قد بدأ التفكير فيه والدعوة إليه منذ بضعة أشهر إن لم يكن أكثر ، لكنه في هذه الأسابيع اشتد نشاطه وكثر تفاعله ، وقد دعاني اليوم أحد الأساتذة الزملاء إلى الملتقى الحواري الذي سيقام صباح الثلاثاء في مقر المجلس الانتقالي ، فسررت كثيرا بالدعوة ؛ لأنني مؤمن إيمان مطلق بأن الأوطان لاتبنى بغير الحوار الهادف والبناء ، الحوار الذي يقوم على مبادئ وأسس ، يتم من خلالها مراعاة حقوق الجميع ، واحترام توجهاتهم وآرائهم ووجهات نظرهم مهما تباينت ، وقبل ذلك الحوار الذي يقوم على الإيمان المطلق من الفرقاء جميعا بأن الوطن يتسع للجميع ، وليس من حق أي فريق الاستئثار به ، والمزايدة بأنه وحده صاحب الحق فيه ، وغيره يجب أن يكونوا مجرد أتباع يباركون مانرى ، وينعقون بما نقول .... في الأخير أتمنى أن يحسن المشرفون على هذا اللقاء ، تنظيمه وترتيبه بحيث يجد صاحب الرأي المفيد والفكرة الهادفة ، الوقت وجمهور الحوار المستمع لإيصال مايرى والاستجابة لما يفيد ، بدلا من أن يتحول اللقاء إلى مهرجان إعلامي لغرض الدعاية والإعلام ... أتمنى للجميع التوفيق ، وللوطن الخير والأمن والاستقرار .....