يخيل لكثير من الساسة والإعلاميين والمنظرين اليوم أن ما يمتلكونه من معرفة نظرية بواقع مجتمعاتهم وخبرتهم السابقة تؤهلهم للحديث عن الشباب، همومهم ورؤاهم وقراءاتهم للواقع، كيف يفهمون الحياة، وما معنى الوطن لديهم، وكيف يقيمون صداقاتهم وعلاقاتهم، وما هي ميولهم واتجاهاتهم، ونحوها من الميول والتوجهات، وهذا خلل محض وكارثة معرفية لا يمكن التغاضي عنها.
لقد جلست – بحكم طبيعة عملي الإعلامي – مع عدد من نخب المجتمعات العربية في بعض البلدان العربية وتركيا وأوروبا، وتجاذبنا أطراف الحديث حول فهمنا الذاتي للشباب اليوم، وهل فعلًا نحن نفهم واقعه ومشاكله ونظرته للواقع؟ وهل يمكن لنا أن نتعامل معه بناء على تعاملنا السابق معه قبل عقد من الزمان؟
لقد كانت آراء السادة الكرام الذين التقيت بهم في العام الأخير، والذين استمزجت آراءهم، تتوافق على ميلاد جيل شبابي جديد له سماته وطبائعه التي لا تشبه بتاتًا الشباب الذي نعرفه قبل 10 سنوات، وهذا النمط الشبابي الجديد لديه عالم قد بناه بنفسه ولنفسه بعيدًا عن مجتمعه وعن تطلعات مجتمعه بسبب عوامل الضغط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي القائم.
نحن اليوم أمام جيل شبابي يتميز بالكِبر والانتفاخ، ويظن أنه يعرف كل شيء عن كل شيء، يرفض قوانين المجتمع والعرف الاجتماعي على حد سواء، لا يهتم بالمسؤوليات والحقوق قدر اهتمامه بمصلحته الذاتية، اعتراه نمط من الهمّ وبعض اليأس وبعض الردة والكره للذات والمجتمع، فبات تأثير السياسيين فيه معدومًا، وتأثير الخطباء فيه مثلومًا، وقدرة المؤسسات الثقافية على استيعاب تطلعاته مستحيلة، فلا هو مالك للأمل والتفاؤل، ولا هو قادر على التعاطي بإيجابية مع من حوله وما حوله نتيجة اختلال الثقة في المجتمع؛ نتيجة علماء السلاطين وإعلاميي الفتن وقنوات التأثير السلبي بكل مجالاتها.
التعامل مع هذا الشباب بكل صنوف التعامل الاجتماعي والسياسي والإعلامي والخطابي والتوجيهي باتت تتطلب انتفاضة شاملة تستوعب الإنسان والبيئة والمدرسة ونظام التعليم والإعلام، والخلل في التعاطي مع قضاياهم سيزيد المسائل سوءًا وبؤسًا، فقد رأى هذا الشباب التناقض بكل ألوانه، والتجاهل والاستبداد والفقر والتجهيل والعنف بكل مجالاته، وبات يتطلع للهجرة نحو المجهول بلا مسؤولية ووعي.
إن المسؤولية الأسرية اليوم قد تضاعفت، وباتت الأسرة هي المحضن الأكثر أمانًا لبناء شباب مختلف في طبيعته وسلوكه، ولا ريب أن مسؤولية المعلم الفرد باتت أعظم وأقوى، فلا عذر لمعتذر في التقاعس والتخاذل، فضياع هذا الشباب والإلحاد الفكري والاجتماعي وجنوحه نحو الهجرة وكفره بالمسؤولية الاجتماعية وتنكره لقيم الدين والأعراف والنصائح ممن يكبره في السن والتجربة تعني شيئاً واحداً فقط: نحن أمام مستقبل مليء بالتحديات؛ ولن نجد من يقف لتحمل المسؤوليات القادمة.
تخيل مجتمعًا كل من فيه لا يُؤْمِن بدينٍ ولا قيمة، وكل واحد فيه يعمل لمصلحته ولو داس الآخرين، وجميعهم يطلب أن يصبح ملكًا أو وزيرًا بالحد الأدنى، ويطلب أن يصبح مليونيرًا دون أن يأخذ بالأسباب أو أن يتخصص بعمل، ويكره كل من حوله وتنعدم ثقته بهم، فبالله عليك كيف ستكون حالة هذا المجتمع؟! وهل ستقبل العيش فيه؟
أطرح هذا التساؤل اليوم حتى لا نعيش هذا الكرب رغمًا عنا في غدنا، والخير كله في الشباب فإذا فقدناهم فقدنا الخير، وعلى كل منا أن يبذل جهده ولو للانتصار لشاب واحد؛ لعل الأمل الذي يلمع بين عينيه ينير لغيره الطريق، فالمستقبل ليس بحاجة إلى أعداد، ولكنه بحاجة للقلوب الملذوعة من النخب الواعية التي تغار على كل قيمة جمالية في مجتمعها.