فيروس كورونا (كوفيد-19) يمثل اليوم التهديد الأكثر رعباً في اليمن، فقد أثر على حياة اليمنيين بشكل كبير وأفقدهم الإحساس بالأمان. يعود ذلك إلى الغموض الذي يلف سردية انتشار هذا الوباء في بلد تهيمن فيه العصابات المسلحة على العاصمتين السياسيتين؛ الرسمية (صنعاء) والمؤقتة (عدن). كاد اليمنيون خلال السنوات الخمس الماضية أن يتكيفوا مع الحرب التي تحولت إلى تحليق استعراضي للطيران الحربي للتحالف، فيما تكثفت في شكل مواجهات ميدانية عنيفة في جبهات القتال البعيدة إلى حد ما عن المدن، في مهمة تصفية شاملة للقدرات اليمنية من بشر وموارد وإمكانيات، وهي المهمة المؤجلة منذ عام 2014، حيث كانت الدول نفسها التي تتحكم بالمشهد العسكري في اليمن اليوم قد خططت لأن يكون عاماً لتصفية ثورة الحادي عشر من فبراير وحواملها السياسية، عبر حرب أهلية تتولى اجتثاث حركات الإسلام السياسي ورأس حربتها الإصلاح، الذي انخرط مرغماً ضمن الثورة الشعبية الواسعة لتغيير نظام صالح الدكتاتوري وإعادته إلى عهدة الشعب. الطرف الرئيس في تلك الحرب مثلته جماعة الحوثي المسلحة المرتبطة بإيران، والتي تعاقدت مع الرياض وأبو ظبي وواشنطن ومع نظام صالح المخلوع لخوض المواجهة المسلحة المفصلية مع الإصلاح، وثورة الحادي عشر من فبراير التي يتصدرها، فيما بقيت إيران متوثبة لالتقاط الفرصة التاريخية السانحة. إذ سرعان مع قام الحوثيون بالسطو على الدولة بقوة السلاح وفض الشراكة الخفية مع كل تلك الأطراف، والاقتراب أكثر من هدفهم في انتزاع السلطة تأسيساً على مزاعم الحق الإلهي. كورونا اليوم تحصد على الأرض عشرات الأرواح، وللأسف فإن المعلن من الضحايا أقل بكثير من أولئك الذين يتساقطون يومياً في ظل اختلاط الحقائق، والتي توزع المسؤولية عن هذه الوفيات إلى ما تسميه انتشار الحميات، ومن بينها حمى الضنك، والشيكوغونيا التي تنتقل عن طريق البعوض. وهذان الوباءان يزداد انتشارهما هذه الأيام بمدينة عدن في جنوب البلاد. يتداول المواطنون اليمنيون قصصاً مؤلمة عن ذويهم الذين ماتوا جراء إصابتهم بفيروس كورونا، خصوصاً في العاصمة صنعاء التي تقع تحت سيطرة الحوثيين. تكمن مشكلة هذه المدينة في أن الجماعة المسلحة مارست التعتيم على حقيقة انتشار الجائحة فيها، في الوقت الذي لجأت فيه إلى التعويم الكارثي للإجراءات العلاجية، إلى حد أن معظم مستشفيات صنعاء الحكومية والخاصة تستقبل المصابين بكورونا، بكل ما يمثله ذلك من احتمالية شلل المنظومة الصحية وتهديد حياة الطواقم الطبية المحدودة في هذه المدينة، ما دفع ببعض المستشفيات الخاصة إلى التوقف عن العمل نهائياً حسب بعض التقارير. من المؤسف أن الصحافة العالمية تتعاطى بسذاجة مع البيانات التي تصدر عن سلطة الأمر الواقع في صنعاء. فبينما كانت الجائحة تحصد العشرات من اليمنيين، جاءت سردية الحوثيين مليئة بالمغالطات والسطحية والصفاقة معاً. فأول حالة إصابة بكورونا كانت لمواطن صومالي وجد ميتاً في الفندق الذي يسكن فيه، دون أن توضح مجرد توضيح أين عاش أثناء إصابته وأولئك الذين خالطهم. أما الإصابة الثانية المعلنة من جانب جماعة الحوثي، فهي لمواطن قدم من عدن، وهو الآن يتلقى العلاج في مستشفى الكويت بوسط العاصمة صنعاء. الإجراءات الاحترازية المعلنة من جانب هذه الجماعة تفيد بأنها قامت بفرض الحجر الانتقائي على عدة أحياءة متفرقة من العاصمة صنعاء، وأول ما يدل عليه إجراء كهذا هو أن هناك حالات إصابة مكتشفة في هذه الأحياء، وهو ما لا يتفق مع المعلومات الشحيحة التي تصدرها جماعة الحوثي للعالم في هذه الفترة العصيبة عن حقيقة انتشار الوباء في أكبر مدن اليمن من حيث عدد السكان. إن الرعب الذي يعيشه سكان العاصمة صنعاء، يقابله قلق ورعب من جانب جماعة الحوثي التي تخشى من تعطيل الحياة التجارية في هذا الموسم الاستثنائي الذي يمثله شهر رمضان المبارك وهو شهر استهلاك بامتياز، بما يمثله ذلك من مورد كبير لخزينة الحرب الحوثية، لهذا تمارس هذا القدر من التعتيم. وفي عدن تحولت السلطة الشرعية ولجنتها العليا للطوارئ إلى مجرد ظاهرة صوتية؛ لأنها لا تملك سلطة القرار ولا الموارد اللازمة لمواجهة الجائحة. لم يعد بوسع المتحدث باسم اللجنة الدكتور علي الوليدي، وهو يشغل عملياً وكيل وزارة الصحة العامة في الحكومة الشرعية، سوى نشر الإحصائيات عن الإصابات والوفيات، والتي لا تعبر بشكل دقيق عن حجم انتشار الجائحة في مدينة عدن المنكوبة، والتي تبدو مثل يتيم أنهكه المرض على مائدة يتحلق حولها حشدٌ من اللئام، قد يكون قادة الانتقالي أقل هؤلاء اللئام شأناً. الجلبة التي أحدثتها جائحة كورونا، مثلت غطاء مناسباً للتحالف السعودي الإماراتي لتمرير مخططهما الهادف إلى تقسيم اليمن وتفكيكه، عبر هذه الصيغ التدريجية التي تستنزف الشرعية وتجردها شيئاً فشيئاً من نفوذها وصلاحياتها وكرامتها معاً. ففي حين يعزز الانتقالي قبضته على عدن وينجح في السيطرة عسكرياً على محافظة أرخبيل سقطرى، لا نرى السعودية والإمارات تقومان بالواجب الأساسي، وهو تقديم المساعدة المفترضة للبلد الذي تحتلانه عسكرياً وتصادران قراره السياسي والسيادي. ولا غرابة أن يعلن المجلس الانتقالي عن ما أسماها "الإدارة الذاتية للجنوب" في خضم المواجهة مع جائحة كورونا، والتي تجري بوسائل وإمكانيات متواضعة، كرست المخاوف الشعبية من الجائحة، التي أُريد لها أن تُنسي الناس ما يقوم به الانتقالي وكل من السعودية والإمارات، فيما يستمر الانفصاليون المدعومون من هاتين الدولتين، في السيطرة على مطار عدن وموانئ المدينة، لتبقى مجرد مصدر لدعم سلطة الأمر الواقع الانفصالية، وعدم السماح بوصول المساعدات من دول أعلنت استعدادها لتقديمها للشعب اليمني في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ البلاد.