ما نشاهده من حولنا من اضطرابات في العلاقات الاجتماعية وتوترات مجهولة السبب يُولدُ ألفَ سؤال: ما الذي أصاب فُلانًا؟ ولماذا هو مُكتئب وبدأ يميلُ إلى العُزلة رغم أنه يتمتع بصحة جيدة وبدخل مالي رائع وعلاقات ناجحة مع الآخرين، الشيء الذي يجعلنا حقًا نقف وقفة الباحث المهتم. بدأتُ حينها بالبحث عن شخصية كي أخُوضُ غِمارها، جعلتُ المعيار الأول للبحث أن تكون هذه الشخصية مقربة لي ليصبح لدي الإلمام التام والتتبع الجيد للحالة (قبل وبعد)، فوجدتُ صديقًا لي من خلاله اكتشفت السبب والنواة الأولى لهذه العدوى ثم المرض. أولًا دعوني أسرد مميزات هذه الشخصية قبل أن تعتل.
اجتماعية مبادرة، سعيدة دائمًا، تتمتع بثقة ذاتية عالية، نجاحات متتالية، متفائلة وصبورة. إليك الأمر الذي قلب هذه السِمات (رأسًا على عقِب)، بدأت مع بداية إصابة قدم أخيه اليمنى، الأمر الذي جعل العُكاز صديقًا له، طال الأمر، وصعب العلاج، وبدأت حالته النفسية تتدهور، فأصبح مكتئبًا ومتشائمًا ونادبًا للحياة والحظ، رغم العلاج المستمر والمبشرات الطبية بعلاجه. كان الساعد الأول لأخيه المصاب يجلب احتياجاته، ويعزز من ثقته بنفسه، وكلما انتكست حالته اهتم جُل الاهتمام به، مرت الشهور وبعد قرابة العام والنصف بدأت على صديقي بوادر الاكتئاب والعزلة، الأمر الذي جعله يبتر علاقاته الاجتماعية، فأصبح مقصرًا في كل شيء (عمله، منزله، أصدقائه، أهدافه، مستقبله)، حينها علِمنا بأن المشاعر مُعدية سواء كانت إيجابية تنبع من إنسان إيجابي، أو سلبية تنبع من إنسان سلبي؛ إذ لم نتخلص منهم إما بعلاجهم أو نبتعد قليلًا عنهم كي لا نكون عرضةً للعدوى، أو لا بد من التكيف التام معهم بشرط ألا نتأثر، فالمتشائمون والمكتئبون ملء الأرض.
سواء نتيجة خسارتهم في صحتهم، أموالهم، وظائفهم، شريك الحياة، أبنائهم أو أي أمر ينتكس بحالة الإنسان الصحية إن استسلم له،
فالمشاعر السلبية كالفيروسات تنتقل من شخص إلى شخص. أتذكر بعض الأمثال الشعبية في هذا الشأن (اقترب من السعيد تسعد)، (اقترب من الحزين تحزن)، (المربوش يربشك)، (الحي يحييك والميت يزيدك غبن). وإن كان من أقرب الناس لك، ومن منظور علمي أظهرت أبحاث علماء النفس في جامعة سينت لويس (أن التوتر النفسي والإجهاد يكونان مُعديين في بعض الحالات، ذلك أن الوقائع الظاهرة لسلوك هؤلاء السلبيين تجعلهم أشبه بمصاصي الدماء، الذي يتغذون على الآخرين، وتبدأ بوادر الانفعال عليهم.
أفادت الطبيبة النفسية كارتر (بضرورة الابتعاد عن الأشخاص السلبيين مباشرة إذا كانوا غرباء، أما إن كانوا أقرباء فلا بد من وضع حواجز معينة للقاء بهم). فعلى كل من لديه علة نفسية ألا يستسلم لها، وأن يكون مبادرًا، وأن يدمج نفسه في الأنشطة والأعمال المفيدة والمحببة له، ومزاولة هوايته حتى يتمكن من الخروج، فهذه الدائرة سوداء تؤدي إلى الموت البطيء وإلى عدوى الآخرين.
فالعدوى هي عدوى أفكار وخواطر وسلوكيات ومعتقدات تصيبنا عند المحاكاة دون قصد منا في أفعالنا ومشاعرنا وتعبيرات الوجه وردود أفعالنا على سبيل المثال عندما تشاهد حلقة درامية حزينة فتحزن، وعند مشاهدة موقف مضحك فتضحك بدون قصد منك، وإنما عن طريق المحاكاة المباشرة. إذن هناك عدوى سلوكية مباشرة وغير مباشرة تأتي بالتدرج حتى تتمكن منك.