من الأشياء اللافتة للنظر هذا السباق المحموم بين بعض القنوات غير المهنية، كالجزيرة وغيرها، على التغطية غير المنصفة لحرب التحالف العربي في اليمن؛ حيث تستميت هذه القنوات في تصوير هذه الحرب بأنها حرب ظالمة تستهدف اليمن إنساناً وأرضاً. ويبقى السؤال، هل هذه الحرب «عادلة» أم لا؟
لكي نجيب على هذا السؤال لابد أن ننظر إلى نظرية «الحرب العادلة» (us bellum iustum)، وهي النظرية المعتمدة في النظام العالمي المعاصر؛ ترى هذه النظرية أنه على الرغم من أن الحرب ليست الخيار الأفضل، إلا أنها ليست أسوأ الخيارات المتاحة أمام الدول. فقد يقود الشعور بالمسؤولية، والخوف من حدوث خسائر كبيرة في الأرواح، أو تغيير في الأوضاع القائمة، بعض الدول إلى الدخول مرغمة في حرب ما ولأهداف نبيلة.
تتكون هذه النظرية من جزأين، يتكون كل منهما بدوره من عدة معايير، وإذا تحققت هذه المعايير، فإن الحرب حينها تكون عادلة ومقبولة. الجزء الأول، يتعلق بالذهاب إلى الحرب (jus ad bellum)، وأول المعايير في هذا الجزء أن يكون قرار الذهاب للحرب هو آخر الحلول بعد أن تستنفد كل المحاولات الدبلوماسية. وفيما يتعلق بحرب اليمن لم يتم اتخاذ قرار شنها إلا بعد نفاد كل محاولات المملكة للحل السلمي.
وثاني المعايير، عند الاتجاه نحو الحرب لابد أن يتخذ قرار شنها إما من قبل دولة أو مجموعة دول لها صفتها القانونية في النظام العالمي، لكي لا يترك الأمر مفتوحاً للجماعات الإرهابية والمتطرفين بشن تطرفهم داخل هذا النطاق. وبالنسبة لقرار شن حرب اليمن فهو قرار عربي نتج عنه تكوين التحالف العربي الذي تقوده المملكة، بل بارك النظام العالمي هذه الحرب مقدراً جهود التحالف في محاربة الإرهاب.
ثم يأتي بعد ذلك الدافع من وراء الذهاب للحرب، والذي لابد أن يكون مقنعاً ومبرراً؛ لقد جاءت هذه الحرب استجابة لدعوة من الحكومة الشرعية في اليمن التي استنجدت بأشقائها العرب، وعلى رأسهم المملكة من أجل إنقاذها من ميليشيا الحوثي، وهذا لعمري سبب عادل. كما هدفت هذه الحرب إلى محاربة الإرهاب كون ميليشيا الحوثي منظمة إرهابية، وتنفذ أجندات أكبر الدول الإرهابية في المنطقة وهي إيران، وهذا أيضاً سبب عادل.
أما الشق الثاني من نظرية «الحرب العادلة»، فيتعلق بآليات تنفيذ الحرب ذاتها (jus in bello). وهنا نجد المملكة تحرص كل الحرص على أن تحقق هذه الحرب أهدافها بأقل الخسائر. إن هذا البعد الأخلاقي هو ما يفسر عدم الاندفاع لإنهاء الحرب، حيث تحرص المملكة على حياة المدنيين اليمنيين بالسبل كافة، لا سيما النساء والأطفال، ولا يتردد الحوثي في استخدامهم كدروع بشرية. كما تحرص أيضاً على الابتعاد عن الأهداف المدنية التي يستغلها الحوثي لأهداف عسكرية. ولم يتوقف هذا الجانب الأخلاقي السعودي عند هذا الحد، بل تبرز جهود مركز الملك سلمان للإغاثة، الذي وجّه أغلبها لليمن في هذا الصدد. فقد تجاوزت مشروعاته الإغاثية 274 مشروعاً، وبتكلفة تقترب من 2 مليار دولار أميركي. منها أكثر من 100 مشروع في مجال الصحة، و60 مشروعاً في مجال الأمن الغذائي، و17 مشروعاً في مجال المياه والإصحاح البيئي، و10 مشروعات في مجال التعليم، والقائمة تطول ويصعب حصرها هنا. كما تستضيف المملكة على أرضها ملايين اليمنيين، ولم تقم في يوم ما بمحاولة استخدامهم كورقة ضغط في هذه الحرب، حيث يعامل هؤلاء اليمنيون معاملة خاصة لا تقل عن معاملة المواطن في بلده.
وفي النهاية، ها هي المملكة العربية السعودية تدافع عن الشرعية في اليمن، وتحارب الإرهاب، وتقضي على الأطماع الفارسية فيه، وتغدق المساعدات المختلفة على شعبه، وتستضيف ملايين من أفراد هذا الشعب الشقيق. ليتبقى السؤال، هل بعد كل هذا يمكن لأحد أن يزايد على موقف المملكة العربية السعودية تجاه اليمن؟