دأبت وسائل إعلام كثيرة وجهات، معادية وغير معادية، محلية وإقليمية ودولية، على تقديم ما يجري في اليمن - من حرب أهلية وصراع سياسي داخلي - على أن هناك حرباً سعودية - يمنية، أو أن هناك حرباً تشنها المملكة وحلفاؤها على اليمن، وأن ما يتعرض له الشعب اليمني، منذ بدء عاصفة الحزم في الرابع من جمادى الآخرة 1436هـ الموافق 25 مارس (آذار) 2015، من معاناة إنسانية، وما تتعرض له الدولة اليمنية من تفكك سياسي واجتماعي واقتصادي ومذهبي، هو من تداعيات تلك الحرب المزعومة. وليس هناك تفسير يجافي الحقيقة مثل هذا التفسير الذي يأخذ الأزمة اليمنية القائمة بعيداً عن أسبابها الموضوعية، وهي أسباب يمنية بحتة، ولا يسمح أيضاً بالوصول إلى حلول تتعامل مع هذه الأسباب، وتؤدي إلى حل وطني مستدام للأزمة الوطنية اليمنية.
لقد خرجت جموع من اليمنيين في عام 1432هـ الموافق 2011، كما خرج غيرهم في دول عربية أخرى في سياق ما سمّي «الربيع العربي»، تطالب بالتغيير، وكان يحدوهم طموح إلى تغيير يقوم على عقد اجتماعي جديد ينتقل بالدولة اليمنية والشعب اليمني إلى مستقبل أفضل. ولم ينزلق اليمنيون - في حينه - إلى ما انزلقت إليه دول عربية أخرى من فوضى وصراع مسلح، وتغلبت الحكمة اليمانية بقبول جهود الأشقاء في السعودية ودول الخليج الأخرى في تحقيق تحوّل سلمي في السلطة وإقامة سلطة انتقالية، لفترة محددة، يتم خلالها صوغ هذا العقد الاجتماعي الجديد الذي يرتضيه اليمنيون جميعاً. وكانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي وقّعت عليها القوى السياسية اليمنية كافة، بمن فيها الحوثيون، هي المرجعية المعتمدة لهذا التحول السلمي في السلطة، وقد شكلت خريطة طريق لمستقبل اليمن السياسي. تضمنت هذه المبادرة وآليتها التنفيذية عقد مؤتمر للحوار الوطني لوضع رؤية جديدة لمستقبل البلاد وصياغة دستور والاستفتاء عليه، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بناء على الدستور الجديد. نجح اليمنيون من جديد، وعقدوا حوارهم الوطني الشامل، الذي استمر من 6 جمادى الأولى 1434هـ إلى 23 ربيع الأول 1435هـ (18 مارس 2013 إلى 25 يناير (كانون الثاني) 2014). لقد اتفق اليمنيون على عقدهم الاجتماعي الجديد، وعلى مخرجات هذا الحوار، والبدء في تنفيذ ما اتفقوا عليه. وقد غلب التفاؤل على الجميع بهذا الإنجاز الحضاري، وأن اليمن في طريقه إلى النجاة من مأزق «الربيع العربي». ولم يكن هناك من هو أسعد من المملكة العربية السعودية بهذا الإنجاز الوطني اليمني، الذي كان سيفرز شرعية جديدة في اليمن، يتم من خلالها استمرار دعم اليمن ودعم تنميته وأمنه واستقراره. لكن، لا تجري الرياح دائماً بما تشتهي السفن، فالحوثيون، وبتواطؤ من الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأتباعه - وجميعهم شركاء في الحوار الوطني وموقّعون على مخرجاته - كانوا يتربصون بهذا الإنجاز ويتحيّنون الانقلاب عليه لأسبابهم النفعية، وقد يكون منها سبب «مذهبي» غير وطني، وكأنهم لا يريدون لليمن أن يستقر ويتقدم نحو المستقبل بتوافق ومشاركة جميع أبنائه. لقد استغل هؤلاء هشاشة وضعف سلطة المرحلة الانتقالية للانقلاب على السلطة الانتقالية الشرعية والذهاب باليمن إلى منحى آخر. لم يترك انقلاب الحوثيين وأنصارهم واحتلالهم صنعاء في ذي القعدة 1435هـ الموافق سبتمبر (أيلول) 2014، وحبسهم رموز السلطة الشرعية، خياراً لهذه السلطة إلا بمواجهة هذا العدوان على الشرعية، ولا سيما بعدما تبيّن أن هدف هؤلاء أكبر مما يعلنون، إذ بدأوا بالتوسع في مناطق أخرى في اليمن وإقامة سلطتهم الخاصة. لقد أرادوا اختطاف الدولة اليمنية وفرض رؤيتهم ونظامهم وعقيدتهم المذهبية التوسعية المرتبطة بإيران على اليمن، وعلى حساب الإجماع الوطني اليمني المتمثل في مخرجات الحوار الوطني. إن هذا هو السبب الرئيسي لما يجري في اليمن، ويتحمل مسؤوليته - أولاً وأخيراً - هؤلاء الانقلابيون، ولن يكون هناك مخرج من هذه الأزمة إلا بنكوص هؤلاء عن انقلابهم، واستعادة الدولة اليمنية ومؤسساتها بكل الوسائل. لم يكن لدى الشرعية اليمنية، المتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، من وسيلة تكفل ردّ هذا العدوان واستعادة الدولة إلا طلب المعونة من الشقيق الأقرب، وهو المملكة العربية السعودية المرتبط أمنها الوطني بأمن اليمن واستقراره. لقد طلب الرئيس هادي رسمياً من المملكة مساعدة السلطة الشرعية على رد العدوان واستعادة الدولة اليمنية، وقد طلبت منه المملكة تحرير رسالة رسمية بطلبه وإرسالها، وإرسال نسخة منها إلى الأمم المتحدة والجامعة العربية. وكان الرئيس هادي، حسب قوله، أمام خيارين: «إما تسليم اليمن لإيران، أو طلب التدخل من الإخوة في الخليج». لم يتأخر إخوته الخليجيون، ومن ساندهم في التحالف العربي، عن مدّ يد العون لاستعادة الدولة اليمنية والسلطة والمؤسسات الشرعية، ومنذ ستة أعوام والمساندة مستمرة باستمرار مشروعيتها، وباستمرار حاجة الشرعية اليمنية إلى هذه المساندة المدعومة بالشرعية الدولية المتمثلة بقرار مجلس الأمن رقم (2216) الذي يؤكد دعم الشرعية اليمنية واستعادة مؤسسات الدولة، ودعم جهود مجلس التعاون الخليجي في اليمن. إن مساندة المملكة ودعمها الشرعية اليمنية، جزء من تاريخ العلاقات السعودية - اليمنية، يرتبط مباشرة بالسياسة الخارجية للمملكة وأمنها الوطني. وعليه، يمكن اختزال هذه السياسة المعتمدة نحو اليمن منذ عهد الملك عبد العزيز، بالقول إن أمن اليمن واستقراره، هو من أمن المملكة واستقرارها، وإن زعزعة أمن اليمن واستقراره تؤثر مباشرة على أمن المملكة الوطني، وتشكل تهديداً لها. وعليه، ينبغي أن يسود الأمن والاستقرار في اليمن في ظل أي نظام سياسي يرتضيه اليمنيون، ويحفظ التوازن المجتمعي اليمني، ويضمن أمن اليمن واستقراره وأمن الحدود مع المملكة، وفي الوقت نفسه ضمان ألا يكون أي نظام أو قيادة تحكم اليمن في وضع عدائي تجاهها. ومن هنا، كانت المملكة دائماً في مقدمة مؤيدي الشرعية في اليمن. وإذ يعيد التاريخ نفسه - بشكل أو بآخر - مع اختلاف الظروف والأزمان، فإن المملكة دعمت الشرعية اليمنية في أعقاب ثورة ربيع الآخر 1382هـ الموافق سبتمبر 1962 المتمثلة بالملكيين مقابل الجمهوريين الذين كانوا يناصبون المملكة العداء، واستمرت المملكة في دعم الشرعية طوال سني حربهم الأهلية الثماني، حتى توصل الفريقان المتنازعان إلى تسوية سياسية ارتضاها اليمنيون، فدعمت المملكة الشرعية الجديدة المنبثقة عنها. إن دعم الشرعية القائمة في اليمن هو جزء من السياسة السعودية الثابتة على مرّ الدهور، ودعم مفهوم الشرعية اليوم هو في سياق هذه السياسة. ولن تتوانى المملكة أبدا عن دعم ما يتفق عليه اليمنيون في أي تسوية تعيد الأمور إلى الشرعية، أو تفضي إلى شرعية جديدة قائمة على مخرجات الحوار الوطني، واتفاقاً مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. والمملكة لم تتأخر قط عن دعم الجهود الدولية التي تسعى إلى توافق اليمنيين بالعودة إلى الحالة الشرعية. وأول هذه الجهود، هو دعم مؤتمر الكويت، وآخرها مشاورات استوكهولم الأخيرة. ولكن، سيبقى موقف المملكة واضحاً وصريحاً بأنه لا بديل عن عودة الشرعية إلى الدولة اليمنية ومشاركة جميع القوى اليمنية، بمن فيها الحوثيون، في العودة إلى مخرجات الحوار الوطني، وعدم السماح لأي قوى مسلحة أو ميليشياوية خارج سلطة الشرعية بأن تهدد أمنها واستقرارها وأمن المملكة واستقرارها. إن تجاهل القوى المحلية والإقليمية والدولية حقيقة تدخل المملكة في اليمن وأسبابه وظروفه، ومحاولة تحميلها مسؤولية المعاناة اليمنية، هو افتيات على الواقع وظلم لجهود المملكة. ففي وقت تدعم المملكة وحلفاؤها الشرعية اليمنية، إنما تدافع عن أمنها واستقرارها في الوقت نفسه. وهي، وإن دعمت الشرعية عسكرياً، فليست في حرب مع اليمن ولا تشنّ عليه حرباً. إنها تستضيف ملايين اليمنيين، وقدمت مساعدات إغاثية وتنموية وإنسانية تجاوزت 11 مليار دولار منذ عام 1436هـ الموافق 2015. إن المسؤولية عن استمرار هذه المعاناة تقع على من قام بالانقلاب على إجماع اليمنيين في حوارهم الوطني خدمة لأهداف غير يمنية، وليس على المملكة أو أشقائها في التحالف العربي