دين الله "الإسلام" بمختلف ملله، اليهودية والمسيحية والمؤمنون، والتاريخ بمختلف عبره، يؤكدان بأن الملأ "النخبة" سببٌ لدمار الأمم أو نهوضها. الإنسان مخلوق الله وخليفته في الأرض، والقرآن كلام الله المسطور في كتابه، المُبَيِّن والمُفَصِّل لكلمات الله في كونه وخلقه، ومنهج ودليل الإنسان للإستخلاف والعبادية، ولسعادته في الدنيا والآخرة، يحوي وصفاً واضحاً مُبين، لنماذج السلوك الإنساني في مختلف مواقفه، للاقتداء والإجتناب والعبرة، وبه قوانين العطاء الرباني وعملها، لمن أراد القيام بدوره في الاستخلاف من خلقه، فمُقَدّرات أرزاق الوجود، ليست حكراً وحصراً بالمسلمين وحدهم، ولا بالمجرمين وحدهم، ولا بالمؤمنين وحدهم، ولا بالكافرين وحدهم، بل هي للقادرين من الناس على المعرفة والبحث والسؤال، أياً كانت عقائدهم، فأقوات الأرض وأرزاقها متاحة لهم جميعاً، نتيجة لبحثهم وسؤالهم، يقول الحق (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ) فصلت ١٠، هي لكل من يسأل عن ارزاقها وموجوداتها، مسلم أو مجرم، مؤمن أو كافر، فالمصحف بصحفه المطهرة، وكتبه القيمة، لم يفرط الله به من شيئ، لمن أراد القدوة والاتباع، يقول سبحانه (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) الأنعام ٣٨. لكن أمة الإسلام هجرت كتاب الله، واتبعت كتب الملأ من البشر واهوائهم، فحاق بها سؤ عملها وأعمالهم، فتوالت عليها النكبات والهزائم، والاستعمار المباشر وغير المباشر، دون عبرة ولا يقضة، بل هي من غفلة إلى غفلة، ومن نكبة إلى نكبة، بسبب هجر المنهج القرآني، الذي وصفه سبحانه، بأنه منهج الله، الذي يحوي المعرفة الإنسانية والكونية، ويحوي منهج الاستخلاف والعبادية، ويحوي صراط الله المستقيم، ويحوي منهج الأخوة الإيمانية والمحبة الإنسانية، وبمنهج صراطه المستقيم يحقق الإنسان سعادة الدنيا والأخرة، والعمل الصالح والاستخلاف، وبإتباع منهجه لا يضل الإنسان ولا يشقى، وبتركه يعيش معيشة ضنكا، ووصف الحبيب المصطفى محمد (ص) وصفاً جامعاً لكتاب الله فيما رواه الترمذي عن عن {الحارث قال مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على علي فقلت يا أمير المؤمنين ألا ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث قال وقد فعلوها قلت نعم، قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: (ألا إنها ستكون فتنة، فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذا سمعته حتى قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) [الجن: 1-2]، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم)} وهنا يبرز سؤال كيف هجرت أمة القرآن القرآن؟ يقول الحق سبحانه( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا *لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)الفرقان ٢٧-٣١ سؤال نجد اجابته في الدور الذي لعبته وتلعبه النخبة (الملأ) من الناس، المحيطة بطغيان الباطل وطغاته، في كل زمان ومكان، وقد أوضح الله اصناف وسلوك الملأ في كتابه العزيز، فقد تكررت عبارة "الملأ" ومشتقاتها في التنزيل الحكيم حوالي ٣٠ مرة بالمفردات التالية " الْمَلَأُ تكررت " 17 مرة، الْمَلَإِ " 2، " بالملإ " 1، " للملإ "1، " مَلَأٌ "1، " وَمَلَئِاهِمْ "1، " وَمَلَأَهُ "1، " وَمَلَئِهِ " 6 مرات. وعبارة "الملأ" في المعاجم تعني كبار القوم، المالئون لمكانهم ومكانتهم، أو اهل "الحل والعقد" أو كما يطلق عليهم حديثاً "النخبة"، فهم محل الرأي والمشورة، كما أشار الله في قصة رؤيا الملك، في قصص يوسف (ص)، وقصة ملكة سبأ في قصة نبي الله سليمان(ص) ووصف الله ٤ أصناف من الملأ. الصنف الأول: أصحاب الرأي والمشورة كما أسلفنا في آيات قصص يوسف وسليمان. الصنف الثاني: أهل علم ومعرفة وكتاب كما في قصة نقل عرش ملكة سبأ. والصنف الثالث: أهل إيمان يكتمونه خوفاً من الطغاة، ويعملون لصالح الحق والإيمان، كما في قصص الفرعون ورسول الله موسى، حين أنذر أحدهم موسى من تآمر الملأ لقتله، ودافع عنه بوجود الفرعون وملئه، بقوله (أتقتلون رجلاً يقول ربي الله). الصنف الرابع: يعمل لمصلحته ومصالحه، المرتبطة بالطغيان والباطل ومحاربة الحق وأهله، والفيد والغنيمة، على حساب الناس والحق، فيحاربون الحق وحملته ودعاته، سواء حمله أنبياء ورسل أو مصلحين، لأنهم يدركون أنهم لا يستطيعون تضليل الناس وتوجيههم للباطل بوجود الحق وأهله، الذي يأمر ويأمرون الناس بالمعرفة واستخدام العقل، وتأخذ حربهم على الحق وأهله مسالك عدة، تبدأ بحملات التشهير والتزييف والتزوير، للحق وحملته، ودعاته وتابعيه، باتهامهم بمخالفة الآبائية والضلال والكذب، والسفاهة والسحر، والجنون، فهم ضد الحق وأهله، سواء كان الحق ديناً أو مشروعاً إنسانياً، وسواء كان الداعية نبياً أو رسولاً، أو زعيماً مصلحاً، مستخدمين التآمر والحرب والقتل، وهذا النموذج من الملأ، تواجد مع أقوام نوح وصالح، وشعيب وموسى وعيسى، وخاتم الرسل، وتتكرر هذه النخبة من الملإ، بنماذجها وأعمالها وأقوالها، في كل زمان ومكان، واليمن بشرعيته ومشروعه، تكالبت عليه نخبة الباطل، بولائها للخارج وللغير، ضد اليمن، بدولته وشعبه،وشرعيته ومشروعه، ظمن السياق التاريخي الممتد لنهج نخبة الطغيان والشيطان والباطل، وتقود هذه النخبة حربها ضد الشرعية اليمنية، ومشروعها الاتحادي، محاولة ابقاء باطل طغيان الإمامة والفرعونية، مهيمنين على اليمن، الدولة والإنسان والأرض، وتحارب استقراره ونهضته، هذه النخبة (الملأ) هي نكبة اليمن، فهي أدوات الأعداء لفرض مشاريعهم على اليمن، وهي تمنع كل خير وبناء ونماء لليمن، فبناء الدولة اليمنية القادرة والمقتدرة، يمنع فسادهم ومصالحهم، المرتبطين بثقافة الفيد والولاء للغير، والتي تتعارض مع مصالح اليمن، بشرعيته ومشروعه وشعبه. وهناك النخبة اليمنية الصالحة، التي تستشعر المسؤولية، وتؤمن بالثورة والجمهورية، والدولة اليمنية بشرعيتها ومشروعها، وتقف في خنادق الدفاع عن هذه الأسس الوطنية، ولا تحكمها ثقافة الفيد، ولا الولاء للغير، بها وبالشرعية وتحالف دعمها بقيادة المملكة، سيُهزم باطل الانقلاب، وسينتصر اليمن بشرعيته ومشروعه، فانتصار الحق وهزيمة الباطل سنة الله في خلقه، وسيحيق بملأ الباطل سوء مكرهم، وهاهم ينكشفون ويتساقطون، ومصيرهم في الدنيا مزبلة التاريخ، وفي الآخرة جهنم وجحيمها، فهو مصيرهم ومن سبقهم من ملأ الطغاة والظالمين، في مختلف دورات تاريخ الإنسانية. جمعتكم انتصار لليمن، بشرعيته ومشروعه وتحالفه، وهزيمة لأعداء اليمن، بباطلهم ومكرهم ونخبتهم. د عبده سعيد المغلس ١٢-١١-٢٠٢١
النخبة اليمنية بين الولاء للوطن والولاء للخارج
2021/11/12 - الساعة 08:52 مساءً