هل سأرى شقيقي مجدداً؟.. الحوثيون سيعدمونه

الاتحادنت/متابعات

     مع الوقت، بدأتُ أفقد الأمل، ورحتُ أبحث عن وسائل لأدعم شقيقي وأُشعره ولو ببصيص أمل رفيع عبر توفير أي شيء يمكن أن يساعده في متابعة دراسته وتحقيق أحلامه، وإن من داخل زنزانة. في 11 نيسان/ أبريل، أصدرت محكمة جزائيّة في صنعاء، كانت حكومة اليمن المعترف بها دوليًاً ألغتها منذ عامين، حُكمَ الإعدام على شقيقي توفيق، وثلاثة من زملائه الصحافيّين، بتهمة “إذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة ومغرضة، والتخابر مع التحالف بقيادة السعودية”.

   المحكمة _حسب موقع درج _ التي أصدرت هذا الحكم تخضع لسيطرة جماعة الحوثي، وقد أتى حكمها الصادم بعد نحو 5 سنوات أمضاها شقيقي وزملاؤه في السجن وتعرّضوا خلالها لأقسى أنواع التعذيب والإذلال، في ظل ظروف المعتقل الكارثيّة.

                                       كورونا في سجون الحوثي

    وكأنما مصابهم لم يكن كافياً، فجاء خطرُ انتشار فايروس “كورونا” في مراكز اعتقال تنعدم فيها الشروط والخدمات الصحيّة ليزيد وضعهم سوءاً، ويستحيل انتشارُ الفايروس حكمَ إعدامٍ آخر بحقّهم.

   على ضوء هذه المستجدّات، لا أعتقد أنّ هناك لحظة أكثر خطورة وإلحاحاً من اللّحظة التي نعيشها، لتفرج القيادات الحوثيّة عن الصحافيّين وجميع المختطفين والمحتجزين تعسفاً والمخفيّين قسراً الذين سيشتدّ الخطر على حياتهم في حال انتشار “كورونا” داخل مراكز الاعتقال.

    فإذا كان الحوثيّون جادّين بشأن تحقيق السلام والمصالحة في اليمن، فليُطلقوا سراح شقيقي وجميع المعتقلين المدنيّين المُهدّدة حياتهم تارةً بأحكام إعدام، وطوراً بانتشار فايروس فتّاك داخل سجون تكتظّ بأجساد المعتقلين.

   لم نترك وسيلةً إلا واستنفدناها للإفراج عن شقيقي وزملائه؛ غير أنّ القيادات الحوثيّة ظلّت مصرّةً على تعاملها معهم كمجرمين، على خلفيّة عمل صحافي أدّوه منذ أكثر من خمس سنوات، في تغطية أحداث الحرب في بلادهم.

   وعوضاً عن التعامل معهم كعاملين في المجال الإعلامي، اختارت القيادات الحوثيّة توصيف نشاطهم “بالتجسّس والخيانة العظمى للوطن”.

                                صحافي ممنوع من القراءة!

    كان شقيقي توفيق إعلاميّاً معروفاً في أوساطه. سعى دائماً إلى التطوّر في مهنته ليكون أفضل ما يمكن، في عمله كما في حياته اليوميّة. وفي المرحلة التي سبقت اعتقاله، كان يستعد لامتحان “توفل” الإنكليزي، وحين وجد نفسه داخل زنزانة، صار يطلب منّي، ومن كلّ من زاره، تأمينَ معجم “لونغمان” الإنكليزي ليتابع الدراسة من السجن.

    اشتريتُ المعجم، وحاولتُ أكثر من عشر مرّات إيصاله له من دون جدوى. فالحوثيّون يمنعون إدخال أي منشورات أو مواد إعلاميّة ومعرفيّة إلى السجن، بما فيها الصحف التي تخضع لسيطرتهم.

                                               الحُلم ممنوع

    أملي الآن هو ألا تُنسى قضيّة شقيقي وزملائه مع الوقت، بدأتُ أفقد الأمل، ورحتُ أبحث عن وسائل لأدعم شقيقي وأُشعره ولو ببصيص أمل رفيع عبر توفير أي شيء يمكن أن يساعده في متابعة دراسته وتحقيق أحلامه، وإن من داخل زنزانة.. لكن حتّى الحلم كان ممنوعاً في سجون الحوثيّين.

    أملي الآن هو ألا تُنسى قضيّة شقيقي وزملائه. ولا بدّ من البناء على أي نيات حسنة وتعزيز الجهود الرامية إلى إطلاق سراحهم بلا شروط. كيف اعتُقل توفيق وزملاؤه؟ عام 2015، شنّ التحالف العربي بقيادة السعوديّة والإمارات ما يُعرف بـ”عاصفة الحزم”، وتدخّل عسكريّاً في اليمن لإعادة الحكم إلى الحكومة الشرعيّة. في تلك الفترة، انقطعت الكهرباء كما الإنترنت عن معظم أنحاء العاصمة صنعاء.

    كان توفيق آنذاك مصمّماً فنّياً لصحيفة محليّة. وذات يوم، قرّر مع وزملائه أن يتّخذوا من غرفة فندق مقرّاً لهم، وتحديداً فندق “قصر الأحلام” شمال صنعاء، ذلك أنّ الفنادق كانت المرافق الوحيدة القادرة على توفير الكهرباء والإنترنت على مدار الساعة، بفضل مولّدات الكهرباء التي كانت تملكها، الأمر الذي مكّن شقيقي وأصدقاءه من متابعة عملهم.

                                          اختفاء قسري

    بالكاد مرّت ثلاثة أيّام على إقامتهم في الفندق، حتّى اقتحم 20 مسلّحاً بوجوه ملثمة غرفتَهم واختطفوهم في ساعات الفجر الأولى من يوم 9 حزيران/ يونيو 2015. لاحقاً، علمنا أنّ الحوثيّين اعتقلوهم بذريعة أنّهم “عملاء للخارج” يعملون بهدف تشويه صورة اللّجان الشعبيّة (أي الميليشيات المحليّة التي شكّلها الحوثيّون).

    منذ اختفائهم القسري، ظلّ شقيقي وزملاؤه يُنقلون من سجن إلى آخر، وفي كلّ مرّة، كان يتم استجوابهم من جديد. وبعد أكثر من سنة على اختفاء شقيقي، تمكّنت عائلتي من معرفة مكان اعتقاله بمساعدة قريباتي اللّواتي كنّ يذهبن يوميّاً إلى سجون صنعاء، ليسألن عنه وعن مصيره.

                                        إنه  في "الهبرة"

    وبعد فترة وجيزة من الزيارات المتتالية، تمكّنت أمّي وزوجة شقيقي من رؤيته في سجن “الهبره”. هناك، كان واضحاً للعين المجرّدة أن الحوثيّين يعاملون الصحافيّين على أنّهم أسوأ أنواع المجرمين، وأنّهم يحرمونهم من ميزاتٍ كان سائر السجناء يتمتّعون بها، كاستخدام الهاتف المحمول داخل السجن، وإدخال الطعام وأكلات العيد.

    خلال الزيارات، كان أهلي يتواصلون مع توفيق من خلف شباك حديدي عازل. وحين زاره أبي للمرة الأولى، حاول توفيق طمأنته إلى أن حاله جيّدة، إلا أنّ علامات التعذيب دلّت بوضوح على عكس ذلك، إذ كانت بادية للعين، على وجهه ورقبته. حتّى قلبُ شقيقي لم يسلم من المعاناة والأمراض نتيجة سوء المعاملة والتعذيب والإهمال الطبي المستمرّ.

                                          عملاء للخارج

     علمنا أنّ الحوثيّين اعتقلوهم بذريعة أنّهم “عملاء للخارج” يعملون بهدف تشويه صورة اللّجان الشعبيّة يدفع توفيق وآلاف الأبرياء مثله من الذين تعرّضوا للاعتقال التعسّفي والإخفاء القسري أثماناً باهظة، بدمهم ودموعهم وحريّتهم، بسبب تعبيرهم عن رأي ما أو قيامهم بعمل صحافي يعدّه الحوثيّون خيانةً للوطن..وها هو شقيقي وزملاؤه يواجهون اليوم عقوبة الإعدام لممارستهم عملهم في خضمّ الحرب في البلاد.

                                            افرجوا عنهم

     الحوثيّون اليوم مطالَبون بالإفراج عن شقيقي وجميع السجناء المدنيّين القابعين في سجونهم منذ سنوات، بعيداً من عائلاتهم وأحبّائهم، في ظروف لا يستطيع عقل بشريّ تخيّلها.

   بصراحة، لم نعد قادرين على تحمّل المزيد من الأسى الذي يحبس أنفاسنا كلما تذكّرنا التعذيب الجسدي والنفسي الذي يقاسيه أحبّاؤنا، أو كلما اجتمعنا للاحتفال بالأعياد من دونهم… فنتخيّل هول الكارثة المحدقة بهم في حال فعلها الفايروس وانتشر داخل السجون.

الأكثر زيارة