صفية مهدي قضية الخزان النفطي العائم، جذبت الأنظار عقب انفجار بيروت مع مخاوف وتحذيرات من تهديد يمثله وضع الخزان الذي يمكن أن يكون لانفجاره أو تسرب النفط المخزون على متنه، أثار تتجاوز المنطقة إلى العالم.
لم تفلح عاصفة البيانات والمناشدات التي وصلت أوجها، في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، في تحقيق أي تقدٍم يحسم تهديد كارثة خزان سفينة صافر النفطية المتهالكة والتي تُوصف بأنها “قنبلة موقوتة” في سواحل مدينة الحديدة اليمنية المطلة على البحر الأحمر، وتهدد بـ”كارثة بيئية بحرية عالمية غير مسبوقة ستؤثر في اليمن بدرجة أساسية وستؤثر في دول الجوار والعالم كافة”، وفقاً لمسؤول في الشركة.
وحتى أحدث اجتماع ديبلوماسي دولي بشأن اليمن، ضم سفراء 8 دول بينها الدائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، ما زال صافر في صدارة موضوعات الأزمة اليمنية، ويمثل “تهديداً خطيراً”، وفقاً للبيان المشترك الصادر عن الاجتماع، والذي قال إن وضع الخزان يهدد بكارثة بيئية اقتصادية وإنسانية لليمن والمنطقة.. ودعا الحوثيين إلى تسهيل الوصول غير المشروط والآمن لخبراء الأمم المتحدة لإجراء حملة تقييم وإصلاح.
وعلى رغم أن التحذير الدولي، ليس الأول، إلا أن صدوره مجدداً يمثل إقراراً من الدول الراعية للجهود الأممية لحل الأزمة، باستمرار العقبات التي تمنع وصول فريق من خبراء الأمم المتحدة، لإجراء فحوص أولية على الناقلة.
وتتهم الحكومة المعترف بها دولياً وحكومات غربية جماعة أنصار الله (الحوثيين) بعدم منح التصريحات اللازمة لوصول الفريق إلى السفينة العائمة في ميناء رأس العيسى الواقع تحت سيطرة الجماعة في محافظة الحديدة. تدهور متزايد لانعدام الصيانة منذ شهور طويلة، اتجهت الأنظار إلى خزان صافر العائم والذي يحتوي على مليون و140 ألف برميل نفطي، وقفز إلى صدارة الجهود والمواقف الدولية حول اليمن، بوصفه تهديداً محتملاً بكارثة بيئية في البحر الأحمر، وتحول في المقابل إلى ورقة مناورات سياسية واتهامات متبادلة بين الحكومة المعترف بها وبين الحوثيين.
وسعى “درج” على مدى أسابيع، إلى الوصول إلى معلومات بشأن وضع الناقلة ومدى التهديد الذي تمثله، وأفاد مسؤول في قيادة شركة صافر المعينة من “الشرعية”، بأن السفينة بنيت كناقلة عملاقة في اليابان عام 1979، ومنذ فترة الثمانينات في القرن الماضي، بعدما اشتراها اليمن وتحويلها إلى خزان عائم في منطقة رأس عيسى في الحديدة، حيث ربطت إلى أنبوب تصدير النفط في محافظة مأرب.
وبسبب حجم الناقلة الكبير فإنها لم تحصل على صيانة في أحواض السفن الكبيرة، لكن الشركة عملت على صيانتها بالتعاقد مع شركات متخصصة وخبراء، قبل أن تتوقف أعمال الصيانة ومعها عملية تصدير النفط منذ عام 2015، الأمر الذي جعل الناقلة في تآكل مستمر يهدد بكارثة تسرب نفطي في البحر الأحمر.
“بالنسبة إلى صافر تقع في البحر الأحمر المغلق ليس في محيط مفتوح للجميع، بل سيتضرر البحر الأحمر بالكامل وجميع الموانئ التي تطل عليه، ابتداء من الحديدة، جيبوتي، إريتريا، السودان، السعودية، ومصر”.
ووفقاً لمسؤول في الشركة طلب عدم ذكر اسمه، أخذ وضع الخزان يتدهور، لأسباب فنية، إضافة إلى ظروف الحرب.
كما توقفت معدات التهوية والشفط من غرفة المحركات، فارتفعت نسبة الرطوبة ووتيرة التآكل، كما توقفت معدات تحلية مياه البحر والتكييف المركزي، بطريقة ترفع من مستوى التهديد بتلوث قد يكون الأكبر في تاريخ كوارث التلوث النفطي.
تتعدد السيناريوات المطروحة بشأن طبيعة التهديد، ويأتي في صدارتها تسرب الكمية النفطية على متن الخزان إلى البحر كنتيجة للتآكل، إضافة إلى الخطر الناتج عن انعدام غازات الحماية اللازمة لمنع اشتعال النفط في الخزانات داخل الناقلة، وصولاً إلى أن الخزان يقع في مدينة تشهد مواجهات متقطعة منذ سنوات، ويمكن أن تصل إليه نيرانها في أي لحظة.
وضع الخزان شهد تطوراً خطيراً في حزيران/ يونيو 2020، إذ أفادت مصادر حكومية بتسرب المياه إلى غرفة المحركات، وتمكن طاقم السفينة من السيطرة على ذلك، غير أن الوضع يزداد تدهوراً على نحو قد تصعب معه السيطرة.
عام شركة النفط فرع الحديدة أنور العامري يوضح لـ”درج” أن “السفينة هالكة ومتوقفة، والتسرب بدأ فعلاً منذ شهور، من داخل البحر الى الأنبوب الرئيسي وهو أكبرها والمغذي الذي في داخل غرفة المضخ”. ويشير إلى أن “ماء البحر يدخل ويسبب ثقلاً للسفينة وعبئاً أكبر والماء مالح يسبب تآكل البيبات واجزاء السفينة الداخلية وتسرب النفط الخام إلى البحر”.
ويضيف أن خطر التسرب النفطي من السفينة يهدد بـ”كارثة بيئية” حقيقية، ويستشهد بتسرب نفطي لناقلة إيكسون فالديز، في شاطئ المحيط عام 1989، إذ تسرب منها نحو 50 ألف برميل، ويقول المتحدث إن الشركة كرست جهود أكثر من 3 آلاف سفينة وقارب للتنظيف بكلفة أكثر من 5 مليارات دولار، واستمرت العملية خمس سنوات. ويضيف أنه “بالنسبة إلى صافر تقع في البحر الأحمر المغلق ليس في محيط مفتوح للجميع، بل سيتضرر البحر الأحمر بالكامل وجميع الموانئ التي تطل عليه، ابتداء من الحديدة، جيبوتي، إريتريا، السودان، السعودية، ومصر”، ويرى أن “هذه الدول ستتضرر بالكامل وستتأثر بالتلوث”، وصولاً إلى تهديد الكائنات البحرية، إذ هناك أكثر من 300 نوع من الشعب المرجانية، التي ستنقرض تماماً، إضافة إلى أكثر من مليون طن من الأسماك.
ويصل التهديد إلى “مئات الآلاف من الصيادين، وأكثر من 165 مؤسسة اصطياد. كما أن التلوث إذا انتشر في البحر يمكن أن يلتصق بأي أجزاء من أي سفينة تمر من البحر الأحمر، ويسبب لها مشكلات وتحتاج تنظيفاً بما يهدد بوقف الملاحة البحرية”.
أكبر من تفجير بيروت؟
كانت قضية الخزان النفطي العائم، جذبت الأنظار محلياً ودولياً، عقب انفجار بيروت وما خلفه من كارثة في العاصمة اللبنانية، رفعت من وتيرة المخاوف والتحذيرات من التهديد الذي يمثله وضع الخزان ليس على مدن الساحل الغربي في اليمن ودول البحر الأحمر فحسب، بل يمكن أن يكون لانفجاره أو تسرب النفط المخزون على متنه، أثار تتجاوز المنطقة إلى العالم.
على رغم وجود نقاط التقاء بين وضعي اليمن ولبنان، ليس أقلها كون التهديد في مدينة ساحلية وعلى أحد الموانئ، إلا أن مسؤولاً مختصاً في شركة صافر المالكة للناقلة يشدد لـ”درج”، على أن المقارنة من حيث طبيعة الخطر ليست دقيقة، إذ إن الانفجار في بيروت كان ناتجاً عن مادة متفجرة أساساً هي نيترات الأمونيوم، لكن بالنسبة إلى خزان صافر فهو تهديد كارثي من خلال التسرب المحتمل، ولكن بأثار بيئية وبحرية لا تأخذ طبيعة الانفجار بالضرورة، لكنها تهديد بكارثة عالمية، يصعب التكهن بحدودها.
نقلًا عن درج