لم تعد الأطراف المعنية بالهجوم على مدينة إدلب تناقش مبدأ وقوعه من عدمه، بل صار الروس والأتراك والمسؤولون السوريون يناقشون في العلن الضمانات التي يمكن تقديمها لتجنيب المدنيين الآثار الجانبية للهجوم الذي سيكون مركزا ويستهدف مقاتلي هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، لكنه قد ينزلق إلى مواجهة أوسع.
يأتي هذا فيما يتأكد بشكل واضح أن الاتفاق التركي الروسي، الذي تم الحديث عنه في الساعات الأخيرة، يتضمن مشاركة مباشرة من القوات الخاصة التركية في معركة تفكيك النصرة، التي تفاجأت بأن أنقرة تخلت عنها في الأمتار الأخيرة، مقابل انفتاح روسي وسوري على “المعارضة المعتدلة”.
وتتجمع مؤشرات كثيرة على أن الهجوم وشيك، وأن المحادثات الروسية التركية المتواصلة تناقش ترتيبات عزل النصرة عن بقية المعارضة وتقليل الخسائر بين المدنيين، فيما لا يخفي النظام السوري عزمه على البدء بالهجوم.
وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن قوات الحكومة ستمضي إلى النهاية في محافظة إدلب بشمال البلاد وإن هدف دمشق الأساسي هو مقاتلو جبهة النصرة.
وأشار المعلم بعد محادثات مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في موسكو إلى أن بلاده لن تستخدم أسلحة كيمياوية في أي هجوم وأنها لا تمتلك مثل هذه الأسلحة. وأضاف أن سوريا ستحاول تجنب سقوط قتلى مدنيين.
ويعتقد محللون أن تصريحات المعلم تكشف عن وجود توافق واضح بشأن الهجوم وأهدافه والجهة التي سيتم استهدافها، وأن التوقيت قد يرتبط بموعد المناورات الروسية في المتوسط التي ربما يكون هدفها توفير حماية للهجوم من تدخل غربي تحت مسوغ الرد على استعمال الأسلحة الكيمياوية.
شفت التحركات الدبلوماسية والتصريحات المختلفة أن تركيا ستكون طرفا مباشرا في الهجوم على “الأصدقاء القدامى” الذين كانوا يتوقعون أن تفضي التحركات التركية في الأسابيع الأخيرة إلى الحفاظ على إدلب بوضعها الحالي، أي خارج سلطة روسيا والرئيس السوري بشار الأسد، وخدعتهم في ذلك تصريحات مستمرة للمسؤولين الأتراك حول حماية المحافظة.
وبادرت أنقرة إلى إرسال تعزيزات من القوات الخاصة إلى حدود محافظة إدلب شمال غربي سوريا، في خطوة توحي إما بالاشتراك في المواجهة مع هيئة تحرير الشام التي تسيطر على غالبية أراضي المحافظة، وإما لمنع تسلل مقاتلي التنظيم المتشدد إلى مناطق أخرى.
وكان الجيش التركي أرسل تعزيزات من القوات الخاصة والآليات العسكرية إلى الوحدات المنتشرة على الحدود مع سوريا، الجمعة والثلاثاء الماضيين.
وحرصت روسيا على تأكيد أن الهدف المرحلي من الهجوم هو تفكيك النصرة وليس التشكيلات المعارضة التي تتمركز في المحافظة بعد استعادة الغوطة ودرعا.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان، الخميس، إن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف بحث خيارات التسوية السلمية في سوريا مع نصر الحريري رئيس هيئة التفاوض بالمعارضة السورية.
وذكر البيان أن الوزارة أكدت على ضرورة الحوار بين الحكومة السورية والمعارضة “البناءة”.
ودعت الأمم المتحدة روسيا وإيران وتركيا إلى الحيلولة دون استخدام أسلحة ثقيلة في مناطق ذات كثافة سكانية عالية لتجنب استهداف المدنيين.
وقال ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا إن عددا كبيرا من المقاتلين الأجانب يتمركزون في إدلب بينهم ما يقدر بنحو عشرة آلاف مقاتل تعتبرهم الأمم المتحدة إرهابيين، قال إنهم ينتمون إلى جبهة النصرة وتنظيم القاعدة.
وتتواصل مفاوضات اللحظات الأخيرة بين مختلف الأطراف لتجنب الهجوم واسع النطاق.
وقال رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إن “المفاوضات إلى الآن لا تزال مستمرة بين المخابرات التركية وهيئة تحرير الشام والفصائل الجهادية”، مشيرا إلى أن روسيا ترغب في تفكيك التنظيم المتشدد.
وأضاف “هذا هو الشرط الذي فرضته موسكو لتجنب عملية عسكرية واسعة النطاق (…) التي يبقى شنها أو تعليقها رهيني فشل أو نجاح المحادثات مع هيئة تحرير الشام”.
وفي تصريحات نشرتها في وكالة “إباء” التابعة لهيئة تحرير الشام، يبدو أن الهيئة تترك الباب مفتوحا لحل تفاوضي.
قالت الهيئة إن “موضوع حل الهيئة -إن صح- فهو أمر داخلي يناقش داخل مجلس شورى الهيئة.. وليس عبر إملاءات داخلية أو خارجية”.
وأضافت “نحن في هيئة تحرير الشام نسعى جاهدين للوصول إلى حل ناجع في الشمال المحرر يحفظ أهلنا من عدوان محتمل للنظام المجرم وحلفائه”.
وفيما تدعم تركيا فصائل مسلحة من المعارضة في إدلب، إلا أن نفوذها على الهيئة التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة ليس واضحا، وحذر عبدالرحمن من أن فرص النجاح ضئيلة.
وقالت المحللة إليزابيث تيومان من معهد دراسات الحرب “ستادي أوف وور” إن “علاقة تركيا بهيئة تحرير الشام معقدة وأفضل وصف لها هي أنها عداوة تعاونية”.
وخلال مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي عادل الجبير ألمح وزير الخارجية الروسي، الأربعاء، إلى أن الهجوم ربما أصبح وشيكا.
وقال “من الضروري الفصل بين ما يسمى بالمعارضة المعتدلة وبين الإرهابيين، وفي الوقت ذاته تحضير عملية ضدهم مع تقليل المخاطر على المدنيين”.
وشكلت محافظة إدلب وجهة لعناصر الفصائل المقاتلة والمدنيين الذين تم إجلاؤهم من جيوب معارضة بموجب “اتفاقات تسوية” في الأشهر الأخيرة.
والمقاتلون الذين يرفضون اتفاقات مماثلة في إدلب ليس أمامهم أي مكان للتوجه إليه، ما يزيد من فرص حصول معارك أكثر دموية في حال وقع شن هجوم واسع النطاق.
وذكر معهد صوفان غروب أن إدلب “شكلت ملجأ للمقاتلين والمدنيين اليائسين، ولكن الآن لا توجد إدلب أخرى من الممكن أن يفروا إليها”.