وُلدت ثورة 26 سبتمبر 1962م بعد مخاضات عسيرة، وأحداث كبيرة، وكانت بحق أعظم إنجاز في تاريخ اليمن القديم، والحديث، والمعاصر، ولولاها ما كان لمسار حياتنا المُتحجر المُنغلق أنْ يتغير نحو مزيد من التحرر، والتحول، والانطلاق. هي تاريخ مُشبع بروح المقاومة الوطنية، في سبيلها قُدمت التضحيات تلو التضحيات، وبها انقشع ظلام الإمامة المُخيف، وسلبنا الدُجى فجرنا المُختبي، وسبقنا – كما قال الشاعر عبدالله البردوني – الربيع، نُبشر بالموسم الطيب.
أسلحة سوفيتية
لم تَكن ثَورة 23 يوليو 1952م المصرية حَدثًا عَابرًا مَحدود التأثير؛ بل كانت نقطة تحول فارقة في مَسار النضال الوطني الشَامل، جذبت إليها الأحرار العرب من المُحيط إلى الخليج، وأحيت إذاعتها إذاعة (صوت العرب) الروح القومية لديهم، وألهبت شعاراتها حماسهم، لتنتعش على وقعها ووقع خطابات الزعيم جمال عبدالناصر رغبات التحرر من الأنظمة الرجعية، والاحتلال الأجنبي، وهو ما كان.
حينما رأى الإمام أحمد ذلك المد الثوري الجارف يَتسلل إلى صُفوف الشباب اليمنيين المُؤمنين بالحرية والتغيير، حاول أنْ يتماهى معه، وأنْ يُقدم نفسه كَعُروبي أصيل، وشارك – تبعًا لذلك – الزعيم جمال عبدالناصر، والملك سعود بن عبدالعزيز لحظات إشهار مِيلاد تَحالف عربي ثلاثي مُناوئ لحلف بغداد، من مدينة جدة 21 أبريل 1956م، وحصل من السعودية – كما أفاد أوبلانس – على 5,000,000 جنيه استرليني.
أراد الإمام أحمد بِمَوقفه ذاك أنْ يَضرب عُصفورين بحجر واحد، فقد أراد أولًا أنْ يخرس صوت القاضي الزبيري والأستاذ النعمان اللذان عاودا نشاطهما من القاهرة. وأراد ثانيًا أنْ يُثَبِت ولاية العهد لولده الأمير محمد البدر، على حساب أخيه الأمير الحسن، المُنافس القوي، وصَاحب الأنصار الكُثر، الذي سبق أنْ تخلص منه وعينه مَندوبًا في الأمم المتحدة، وأناب الأمير العباس عنه في حكم صنعاء، وقد حَاول – أي الإمام – أثناء زيارته تلك أنْ يُقنع الملك سعود بذلك، ولكن دون جدوى؛ فقد تَحول مَوقف الأخير لصالح الأمير المُبعد، بعد أنَّ كان من أنصار الأمير البدر، لأسباب ستتبدى تباعًا.
كانت الأمراض المُزمنة حينها قد أنهكت جسد الإمام أحمد؛ وقد اتسمت سياسته تبعًا لذلك بالانتهازية والتردد، وظل خلال تلك الحقبة يلعب على الحبلين، وحين شُنَّ العدوان الثلاثي على مصر – مثلًا – أكتوبر 1956م؛ ظنَّ أنَّ نهاية الرئيس جمال عبدالناصر قد حانت، ونُقل عنه تشفيه بالأخير، ولم يتغير مَوقفه إلا بعد أنْ تدخل السوفيت لصالح الجانب المصري، وسارع بعد أقل من عامين بالانضمام إلى اتحاد مصر – سوريا الفيدرالي 8 مارس 1958، بعد مُرور أسبوعين من إعلانه، وبعد أنْ راسل الرئيس ناصر قائلًا له: إنَّ النجوم أخبرته أنَّ نجمه صاعد! وقد ظل ذلك الاتحاد الذي عُرف باسم (اتحاد الدول العربية) حبرًا على ورق، ولم يُعمر طويلًا.
أما الأمير محمد البدر فقد اتقن الدور المرسوم له من قبل والده بعناية فائقة، قدم نفسه كشاب مُتحرر، محب للتغيير، وتقرب من الأحرار الأوائل، والضباط الشباب، ومشايخ القبائل، وزار الاتحاد السوفيتي، وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية، والصين، ووقع اتفاقيات تعاون وتبادل تجاري مع تلك الدول، وعمل على شراء أسلحة حديثة، وهو أمرٌ كان له ما بعده.
توالى وصول الأسلحة السوفيتية إلى ميناء الصليف، ووصل عددها حتى 4 أغسطس 1957م حوالي ثماني شحنات، وهي الأسلحة التي سبق أنْ اشتراها الأمير محمد البدر بموجب المبلغ الذي حصل عليه والده من السعودية، وكانت تتكون من 30 دبابة من طراز (T.34)، و50 مدفعا من طراز (RCA.100)، و100 مدفع ميدان، و100 مدفع مُضاد للطائرات، و70 مُدرعة وعربة مُصفحة، و20 طائرة، وكميات لا بأس من الأسلحة الخفيفة، والقنابل اليدوية، والذخائر، وبِذلك أصبحت اليمن ثالث دولة عربية كسرت طوق الأسلحة الغربية بعد مصر وسوريا.
وقد ظلت معظم تلك الأسلحة مُهملة حتى تَوالى وصول الخبراء الروس والمصريين، وفي الوقت الذي سارع فيه الاتحاد السوفيتي بإرسال فريق تدريب مُكون من 35 مُدربًا، و50 فنيًا، سارع الرئيس جمال عبدالناصر بإرسال بعثة عسكرية مُكونة من 12 ضابطًا مايو 1957م، ثم عززها بعد مرور عامين ببعثة أخرى، وكانت مهمة هؤلاء جميعًا تدريب القوات المُسلحة اليمنية على الأسلحة الحديثة. وذكر المقدم عبدالله قائد جزيلان أنَّ البعثة المصرية أتت بطلب من الأمير محمد البدر، وأنَّ الإمام أحمد لم يكن راضيًا عنها، وأضاف مُتحدثًا عن الأول: «كان البدر يبدو أمام الرأي العام رجلًا يدعو إلى الإصلاح، ولكنه كان في الحقيقة رجعيًا مُمعنًا في رجعيته»!.
أفكار قومية
جاء بعد ذلك الحدث الأبرز المُتمثل بإعادة افتتاح الكلية الحربية في العاصمة صنعاء برئاسة العقيد حمود الجائفي، ثم المقدم عبدالله جزيلان، وهي الكلية التي كانت قد أغلقت بعد أحداث الثورة الدستورية فبراير 1948م. تلا ذلك إعادة افتتاح كلية الشرطة، وافتتاح مدرسة الأسلحة، ومدرسة ضباط الصف، وكلية الطيران، ومدرسة الإشارة، وهي التحولات التي مَهدت للقوات المسلحة اليمنية أنْ تخطوا خطوات جبارة نحو تطور التحديث، والأهم من ذلك تسلل الأفكار القومية التحررية إلى صفوف طلابها، الذين كان الضابط علي عبدالمغني أحدهم.
رافق تلك التغيرات تكوين وحدات عسكرية خاصة تتبع قيادة الحرس الملكي 1957م، أسميت بـ (فوج البدر)، تم اختيار أفراده من أبناء القبائل التي حول صنعاء (بلاد الروس، وبني الحارث، والحيمتين، وهمدان، وبني مطر، وبني حشيش، وبني بهلول، وسنحان)، ومن القبائل الشديدة الولاء للإمامة كقبيلة الأهنوم، وتم جعل قادة سراياه من أبناء هذه القبائل، بعد أنْ تم منحهم رتبًا عسكرية دون خضوعهم لأي دورات متصلة، ناهيك عن عدم معرفتهم بأبجديات القراءة والكتابة، وقد تولت البعثة المصرية أيضًا مهمة تدريب أفراده، فيما تمثلت مهمته الرئيسية في وأد أي تحرك يقوم به الضباط الآخرين، طلاب الكليات العسكرية.
بدأت مع مطلع العام 1959م بعض المنشورات والمعلومات السرية تتسرب، وقد أشارت بمجملها إلى وجود حركة في صفوف العسكريين تسعى إلى قلب نظام الحكم، وقد أفاد أوبلانس – مصدر هذه المعلومة، وهو مُراسل حربي بريطاني – أنَّ السلطات الإمامية قامت بعد ذلك بإلقاء القبض على عدد من الضباط اليمنيين، وطرد الضباط المصريين.
وعلى خِلاف أوبلانس، ذكر عدد من المُؤرخين اليمنيين أنَّ الإمام أحمد قام بعد أنْ توترت علاقته مع جمال عبدالناصر باحتجاز الضباط المصريين في قصر الضيافة، وحَرَّم عليهم الاتصالات، ثم أرسلهم إلى القاهرة. وأفاد وجيه أبو ذكرى أنَّ هؤلاء الضباط المطرودين هم من كونوا فكرة صائبة عن اليمن لدى القيادة المصرية، وأنَّ الأخيرين استفادوا من معلوماتهم في التمهيد للثورة أيما استفادة.
وقد تفاقم الخلاف بين الإمام أحمد والرئيس جمال عبدالناصر بعد أنْ كتب الأول أرجوزته الشهيرة التي انتقد فيها توجهات ثورة يوليو الاقتصادية، وهو ما اعتبرته القاهرة تدخلاً سافرًا في شؤونها الداخلية، وأعلن ناصر على إثرها وبشكل انفرادي عن إلغاء الوحدة بين مصر والمملكة المتوكلية 27 ديسمبر 1961م، وذلك بعد ثلاثة اشهر من انفصال سوريا عن ذلك الاتحاد الفيدرالي، وقد هنأ الإمام قادة الأخيرة (الانفصاليين) على تصرفهم ذاك!.
إعداد ثقافي
تعود البدايات الأولى لتأسيس تنظيم الضباط الأحرار إلى ما بعد فشل الثورة الدستورية ببضعة سنوات، وعن ذلك قال المُناضل أحمد حسين المروني في مُقابلة صحفيةَّ إن أحد ضباط الكلية الحربية (كانت مُغلقة في ذلك التاريخ) زاره ورفاقه الأحرار في سجن حجة 1951م، ونقل إليهم خبر مَفاده بأنَّ هناك تحضيرا لعمل وطني يتبناه الضباط الأحرار، وأضاف المروني: «وقد استبشرنا خَيرًا، بالرغم من التشاؤم المخيم علينا، فقد كنا على يقين من أنَّ اليمن ستواجه مُتغيرات لصالح الحركة الوطنية».
من جِهته أرجع المُناضل عبدالقادر محمد الخطري بدء تبلور الوعي الوطني في صُفوف ضباط الجيش اليمني إلى أوائل عام 1951م، وقسَّم مَراحل النضال العسكري إلى مَرحلتين مُتتابعتين، الأولى استمرت لأربع سنوات، وأسماها بـ (مرحلة الإعداد الثقافي)، وفيها بدأ هؤلاء الضباط ومَعهم عدد من المدنيين القيام بجلسات تعرفية تعارفية في مدينة صنعاء، وتعز، والحديدة، وإب، تبادلوا خلالها الأفكار التنويرية، وعكفوا على قراءة عدد من الكتب المُهمة.
وقال المناضل الخطري في تقديمه لهذه المرحلة: «إنَّ الأرواح الطاهرة والنفوس الزكية التي أزهقها الطاغية الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين ظلمًا وعدوانًا عام 1948م لم تذهب سدًا، فقد أنبتت دماؤها أرواحًا شابة جديدة فياضة بالشعور نحو هذا البلد العظيم الذي مسخه وشوه بماضيه وحَاضره الحكم الإمامي الفردي المُتعاقب».
أما المرحلة الثانية فقد بدأت كما أفاد المُناضل الخطري من أواخر عام 1954م، وفيها بدأ هؤلاء الضباط وغيرهم يُفكرون جديًا بقيام ثورة شاملة تَطوي صفحة الإمامة الكهنوتية وإلى الأبد، ومهما كَلفهم ذلك من ثمن؛ ومن أجل الوصول إلى ذلك، احتكوا بالمواطنين، ونشروا الوعي الوطني في صُفوفهم، وجَمعتهم في العام التالي والأعوام التي تليه لقاءات مع عدد من الأحرار الأوائل المُفرج عنهم من سُجون حجة، وكانت مُعظم نقاشاتهم تَتركز حول ذلك الهدف الثوري النبيل.
مجلس التحرير
تعددت خِلال تلك الفترة التنظيمات السِرية وغير السرية الداعية للقيام بثورة جِذرية شاملة، ثورة ترتكز أول ما ترتكز على إلغاء الحُكم الإمامي، وإقامة نظام جمهوري عَادل، وفي مدينتي صنعاء وعدن، كما في مدينتي تعز والحديدة، كان العمل يمضي على قدمٍ وساق من أجل تحقيق ذلك، وقد بدأت إحدى تلك الكيانات التحررية، من عُرفت بـ (مجلس التحرير) بتوزيع المنشورات الناقدة والناقمة على الوضع في مدن اليمن الرئيسية 3 مارس 1956م.
خاطبت تلك المنشورات جميع فئات الشعب، وجاء في إحدى منشوراتها العامة ما نصه: «أيها الشعب اليمني: بأي وسيلة حاول الطغاة والمُستبدون أنْ يبذروا روح التفرقة والعداء، فهم يقولون تارة شافعي وزيدي، وتارة أخرى قحطاني وعدناني، ويخلقون لهذه الكلمات المعاني السيئة، ويبذرون في قلوبكم الأحقاد، ليشغلونكم عنهم.. وقد قصدوا من ورائها أنْ يَعبثوا بأموالكم وحُقوقكم، وأنتم لاهون عنهم.. فاجمعوا أمركم، واتحدوا لمُقاومة كل مُستبد.. فقد أهلكتكم الآفات، فأنتم فُقراء لا مال لكم، ومَرضى لا علاج لكم، وجهال لا مَدارس أو معلمين إلا مَا يخدعونكم به».
وجاء في المنشور الخاص بالجيش ما نصه: «إنَّ الجيوش تُحترم، فهي عماد البلاد، والساهر على حمايتها. هل تعلم أنَّه لا يوجد عسكري في العالم يتنفذ على قبيلي؛ لأنَّ هذه إهانة، فهو الذي يحمي القبيلي، لا الذي يخرب بيته.. لا أيها الإخوة، إنكم تأكلون وتختنقون بكدمة يابسة مملوءة بالحَشرات.. وتنامون على الحصير، والسبب أنَّ الحكام يحتقرونكم.. فهل تطمع أيها الجيش أنْ تعمل لكرامتك، وتأخذ العبرة والمثل من إخوانك الأبطال، عبدالناصر وإخوانه، أيها الجيش: ينعقد عليك الأمل، وننتظر اليوم الذي تخرج فيه حاملًا مشعل الحرية والسعادة لأمتك وبلادك».
لكي يحكم الشعب
وقد كُللت تلك الجهود بتبني مُعظم قادة وأعضاء الاتحاد اليمني لخيار الثورة والجمهورية أكتوبر 1957م، وضجت بعض الصحف العدنية بنشر المقالات المُساندة لهكذا دعوة، في حين عملت بعض الأقلام الإمامية وغير الإمامية على تشويهها وتشويه مُتبنيها.
كان الأستاذ محمد أحمد نعمان المُتبني الرئيس لتلك الدعوة، وأحد أبرز منظريها، واستبق إعلانها بنشر مقال عنوانه: (لكي يحكم الشعب: فيساع.. فيساع.. الإمام مريض)، قال فيه: «إنَّ مهمة المناضلين الأحرار ليست السمسرة للأمير فلان أو فلان، وليس واجب المُناضلين الأحرار عندما يفقد الشعب الأصنام أنْ يصنعوا له أصنامًا من فلول الطغيان المُندثر.. نعم إنني أريد الجمهورية في بلادي.. أريد أنْ ينتهي عهد التوارث للبشر في بلادي.. أريد تغيير نظم لا تغيير أشخاص».
طلاب المدارس كان لهم أيضًا حضورهم الفاعل والمناهض لحكم الإمامة، وذلك من خلال قيامهم بعدد من المظاهرات المُنظمة، التي ضجت بها شوارع مدينتي صنعاء وتعز، وكان خُروجهم الأول أثناء الحصار الثلاثي لمصر أكتوبر 1956م، حيث رفعوا صورًا للزعيم جمال عبدالناصر، ورددوا بعض الشعارات القومية. وبعد مرور ثلاث سنوات خرج طلاب مدارس صنعاء إلى الشوارع مغاضبين، وأجبروا الإمام أحمد على الغاء قرار صدر حينها بفصل 200 من زملائهم.
وفي بداية عام 1961م شهدت مدينتا صنعاء وتعز مُظاهرات طلابية عارمة، طالبت بتحديث البرامج التعليمية، وتكرر الأمر في أغسطس من العام التالي، وتجاوزت المظاهرات الأخيرة إطارها المطلبي إلى رفع شعارات سياسية؛ الأمر الذي أثار غضب السلطات الإمامية، فألقت القبض على بعض الطلاب، وأودعتهم سجونها، فيما فرَّ من نجا من الاعتقال إلى القُرى ومدينة عدن.
تنظيم جامع
بعد مُحاولة اغتيال الإمام أحمد في مستشفى الحديدة، أغلقت السلطات الإمامية الكليات والمدارس العسكرية، وهو الأمر الذي حَفَّز عدد كبير من الضباط ذوي الرتب الصغيرة في الجيش والأمن على إيجاد تنظيم جامع يحتويهم، وبدأوا يفكرون بعمل مُنظم بدلًا من العمل الفردي غير المجدي، وعقدوا لأجل ذلك عدة اجتماعات تمهيدية، ثم أشهروا باجتماع تأسيسي مُوسع ميلاد ذلك التنظيم 10 ديسمبر 1961م، وقد تركز نشاطهم في المدن الثلاث الرئيسية (صنعاء، وتعز، والحديدة).
تعددت الروايات الناقلة لتفاصيل تأسيس تنظيم الضباط الأحرار، وقد كانت رواية العميد صالح علي الأشول – أحد قادة ذلك التنظيم الفاعلين – الأكثر وضوحًا وإلمامًا، وقد عقدت الاجتماعات التمهيدية – حد قوله – في منزل الأستاذ عبدالوهاب ناصر جحاف – بداية ديسمبر 1961م، حضرها الملازم صالح الأشول، والملازم عبدالله محسن المُؤيد، والملازم علي بن علي الجائفي، والملازم علي محمد الشامي، والملازم هاشم صدقة، والملازم محمد مُطهر زيد، والملازم يحيى ناصر جحاف، والملازم حسين شرف الكبسي، والملازم صالح العريض.
وأضاف أنَّه في العاشر من ذات الشهر عقد أولئك الضباط اجتماعهم التأسيسي المُوسع في منزل الملازم عبدالله المؤيد، وأنَّه استدعي لذلك الاجتماع ضباطًا آخرين لهم نفس التوجه، وهم: الملازم عبدالكريم السكري، والملازم أحمد الرحومي، والملازم ناجي علي الأشول، والملازم حسين الغفاري، والملازم محمد هاشم مرغم، والملازم محمد حميد، والملازم عبدالوهاب الشامي، والملازم حمود محمد بيدر، والملازم يحيى جحاف، والملازم محمد الحمزي. وأكد أنَّه تم استدعاء النقيب عبداللطيف ضيف الله، والنقيب حسين السكري، والملازم علي قاسم المُؤيد إلى ذلك الاجتماع، إلا أنَّ الظروف حالت دون حضورهم، وأنَّ الملازم علي عبدالمغني، والملازم محمد مطهر زيد كانا في مدينة تعز، وأنَّ الحاضرين اعتبروهما عضوين في قاعدة التنظيم التأسيسية.
وأضاف أنَّ اللجنة القيادية الأولى انتخبت فور التأسيس، وباقتراع سري، وتشكلت من: الملازم صالح الأشول، والملازم أحمد الرحومي، والملازم علي الجائفي، والملازم حمود بيدر، والملازم ناجي الأشول، وعقدت أثناء دورتها اجتماعين مُغلقين، وثلاثة اجتماعات عامة بحضور القاعدة التأسيسية، دارت معظمها في منزل الملازم محمد الرحومي، وأنَّها أقرت في الاجتماع الأخير الصيغة النهائية لأهداف الثورة 1 فبراير 1962م. وأردف أنَّه وقبل أنْ ينتصف الشهر التالي اجتمعت القاعدة التأسيسية للمرة الخامسة 11 مارس 1962م، وانتخبت قيادة جديدة، وهم: النقيب عبداللطيف ضيف الله مدير مدرسة الإشارة، والملازم علي عبدالمغني، والملازم أحمد الرحومي، والملازم صالح الأشول، والملازم ناجي الأشول، وتم اختيار الملازم محمد مطهر زيد سكرتيرًا للجنة.
وقال إنَّه في 8 يونيو 1962م تشكلت اللجنة القيادية للمرة الثالثة من الأعضاء أنفسهم، باستثناء ناجي الأشول، فقد صعد بدلًا عنه الملازم حمود بيدر، وأنَّ اللجنة أقرت أنْ يكون الملازم ناجي الأشول أمينًا للسر، إلى جانب كونه مسؤولًا ماليًا. وأضاف أنَّه في 4 سبتمبر من ذات العام انتخبت اللجنة القيادية كلًا من: علي عبدالمغني، والنقيب عبداللطيف ضيف الله، والملازم أحمد الرحومي، والملازم صالح الأشول، والملازم محمد مطهر زيد، وتم توسيع اللجنة القيادية من خمسة إلى سبعة أعضاء، وأنَّه أضيف إليهم الملازم ناجي الأشول أمينًا للسر، وأنَّ هذه القيادة كانت هي أعلى قيادة في تنظيم الضباط الأحرار حتى عشية قيام ثورة 26 سبتمبر.
وخلص العميد الأشول إلى القول إنَّ نشاط الضباط الأحرار التنظيمي تركز في صنعاء، وتعز، والحديدة، وأنَّه في صنعاء كان هناك الضباط السابق ذكر أسمائهم. وفي تعز كان هناك الملازم سعد علي الأشول، والملازم عبدالله عبدالسلام صبرة، والملازم محمد حاتم الخاوي، والملازم أحمد الكبسي، والملازم علي محمد الضبعي، والملازم أحمد علي الوشلي، والملازم عبدالخالق القاسمي، والملازم يحيى الشامي، والملازم أحمد الحوثي، والملازم يحيى غوث الدين. وفي الحديدة كان هناك النقيب محمد الرعيني، والملازم محمد الطشي، والملازم عبدالوهاب الشامي، والملازم حسين الغفاري، والملازم عتيق الحدا، والملازم عبدالكريم السكري، والملازم محمد المطري، والملازم محمد سعد عبدالمغني، والملازم يوسف الشحاري، والملازم عبدالكريم وحيش.
حركة تعبئة
من ديسمبر 1961م وحتى سبتمبر 1962م تولى قيادة التنظيم أربع لجان، انتخبت الأولى – كما سبق أن ذكرنا – فور التأسيس، وانتخبت الأخيرة قبل قيام الثورة بـ 22 يومًا، برئاسة الملازم علي عبدالمغني، والأخير لعب دورًا رئيسيًا وبارزًا في تأسيس ذلك التنظيم وقيادته، وهو من خريجي مدرسة الأيتام، والكلية الحربية، وكان همزة الوصل وقناة الاتصال بين زملائه الضباط والقيادة المصرية، كما أنَّه وبشهادة كثيرين كان ذكيًا مُتقدًا، ووطنيًا مُتحمسًا، واسع الاطلاع، ممتلئًا بالشعور القومي، ذا قدرة جبارة في اجتذاب المُتعاونين.
اعتمد الضباط الأحرار على السرية التامة في تحركاتهم، وكان من الصعب أنْ يعرف أي عضو في أي خلية عن أعضاء الخلايا الأخرى، وحددوا في نُظمهم الداخلية إباحة دم كل من يفشى منهم سرًا، وأنْ يدفع كل عضو اشتراك شهري مقداره ريـال واحد، ورددوا هذا القسم: «أقسم بالله العظيم وبالإسلام الذي أدين به، وبكل المقدسات الوطنية، أن أكون جنديًا مُخلصًا في جيش العروبة، وأنْ أبذل نفسي وما أملك فداء لقيادتي، ووطني، وأن أكون مُنقادًا لما تصدر إلي من أوامر، مُنفذًا لها، ما دمت أعلم أنها في المصلحة العامة التي جاء من أجلها الدين، وأنْ لا أخون ولا أفشي سرًا للمنظمة، ولو أدى ذلك إلى استشهادي، والله على ما أقول وكيل».
ارتبط تنظيم الضباط الأحرار برموز وطنية في القطاع المدني، ونشطت تبعًا لذلك حركة التعبئة في أوساط فئات المجتمع، وفي تعز كان المُناضل عبدالغني مُطهر رجلهم الأمين في القيام بهذا الدور، وقال في مُذكراته إنَّ الملازم علي عبدالمغني زاره إلى منزله في تلك المدينة أبريل 1962م، وأخبره أنَّ التجمعات الوطنية – بما فيهم الضباط الأحرار – يُريدون حضوره إلى صنعاء للتفاهم معه حول سفره إلى القاهرة، خاصة وأنَّ السلطات المصرية طلبت منهم جميعًا إرسال شخص يكون محل ثقة للتشاور.
وبالفعل توجه المناضل عبدالغني مطهر إلى صنعاء، ومنها إلى عدن، ثم إلى القاهرة، والتقى هناك بأنور السادات، ونقل له صورة شاملة عن الوضع في اليمن، وخلص مطهر إلى القول: «وقد انتهت لقاءاتنا مع المسؤولين في القاهرة بقبولهم التعاون مع الحركة الثورية في اليمن خلال فترة الإعداد للثورة، وحمايتها بعد تفجيرها».
وأضاف: «وحين وصلت إلى تعز وجدت في استقبالي الأخ علي عبدالمغني الذي كان قد وصل إليها قبل وصولي بيومين، فسلمته تقريرًا شَاملًا بما أسفرت عنه رحلتي إلى القاهرة، كي يحمله إلى الإخوة الأحرار في صنعاء، وقد تضمن هذا التقرير فيما تضمنه من موضوعات وخطط ما تم الاتفاق عليه في القاهرة بشأن الأسلحة التي سوف تُرسل إلى صنعاء وتعز بالحقائب، وغيرها من الوسائل».
وفي صنعاء كان المناضل عبدالسلام صبرة هَمزة الوصل بين قيادة التنظيم والحركة الوطنية المدنية، والأخير تجمعه علاقة مُصاهرة مع الملازم صالح الأشول أحد أبرز قادة ذلك التنظيم، وفي منزله كان الاجتماع المُوسع الذي تم به تحديد ساعة الصفر.
في كتابه (التاريخ العسكري لليمن) استند المُؤرخ سلطان ناجي إلى روايات بعض الكتاب الأجانب، ورجح أنَّه قبل قيام الثورة كانت هناك أربع مجموعات مُختلفة تعمل على الإطاحة الفعلية بالعرش الإمامي، اثنتان منها تخصان قبيلتي حاشد وبكيل، والأخريتان تخصان الجيش وتنظيم الضباط الأحرار، وخلص إلى القول إنَّ الأخيرين هم من قاموا بالثورة فعلًا.
كان من المُقرر أنْ تكون تعز مُنطلق الثورة الشاملة، وفي 23 يوليو 1962م تحديدًا، إلا أنْ مَرض الإمام أحمد جعل الضباط الأحرار يؤجلون ذلك، وحين تحقق موت الإمام الطاغية 19 سبتمبر 1962م، لفظت تعز جثمانه، وشهدت صنعاء مقر ابنه الأمير محمد البدر إعلان قيام الجمهورية العربية اليمنية، وذلك بعد سبعة أيام فقط من تولي الأخير الحكم.
انتهى دور تنظيم الضباط الأحرار السري في ذلك اليوم الخالد، ولولا السرية المُتناهية التي تميز بها ذلك التنظيم لما قامت الثورة، ليُصبح العمل الثوري بعد ذلك على المكشوف، وصار الأحرار جميعهم في مَعركة واحدة، مَعركة الدفاع عن الجمهورية الوليدة، وضم مجلس قيادة الثورة اثنان من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، هما: النقيب عبداللطيف ضيف الله، والملازم علي عبدالمغني، وقد استشهد الأخير بعد أيام معدودة من تحقيق حلمه الكبير.
وهكذا قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م، وتصدر الضباط الأحرار المدعومين من مصر العروبة، مصر الزعيم جمال عبدالناصر المشهد، وتحقق على يد هؤلاء الأبطال (البزغة) – كما كان يحلو للإماميين أنْ يسمونهم – تحقق وعد القائد العراقي الرئيس الشهيد جمال جميل الذي قال قبل 14 عامًا من ذلك التاريخ في وجه قاتليه: «حَبّلناها وستلد».