تخوض مليشيا الحوثي منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، وإحكام قبضتها على الدولة ومؤسساتها التعليمية، حربا شرسة موازية لمعاركها على الأرض، حيث تسعى بشتى الوسائل، إلى تفخيخ عقول الطلاب وطمس الهوية اليمنية، بما يوافق رؤيتها الطائفية والمنهجية والسياسية.
بدأ جليا عزمها على فرض عقائدها الطائفية، على المجتمع عندما عينت شقيق زعيم الجماعة يحيى بدر الدين الحوثي، وزيرا لوزارة التربية والتعليم، في عام 2015 كخطوة مدروسة، منذ البداية لتفخيخ عقول الطلاب لاسيما المراحل الأساسية، تلاها سلسلة من الخطوات منها تعديل المناهج، وحذف دروس في المناهج السابقة إضافة وإلغاء ما يحلوا لها من نصوص، ساعية الى تكريس مبدأ الحكم الأمامي في اليمن.
في خطوة مماثلة لما قامت به الثورة الإيرانية في عام 1979م، حين عمد اتباع آية الله الخميني الانتقال من التعليم المدني الى التعليم الديني، عبر تغيير المناهج الدراسية في الجمهورية الإيرانية كوسيلة لتشكيل تحريف الجيل القادم، تعمل مليشيا الحوثي بالتوازي وعبر مراحل منذ استيلاءها على العاصمة صنعاء في 2014، ذات الكثافة السكانية الأعلى، الى تعديل المناهج التعليمية بإضافة الصبغة والتعبئة الطائفية العنصرية.
مخاوف وتنديد
أثار عملية تحريف المناهج التعليمية، لاسيما للمرحلة الأساسية والاعدادية، مخاوف كبيرة لدى أولياء الأمور، وخلفت حالة من الاستهجان، على مدى تأثيرها على عقول الأطفال مستقبلا، الذي تسعى المليشيا تحويلهم الى مقاتلين في خطوط المواجهة.
وأصدرت وزارة التربية والتعليم في صنعاء الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، منهجًا معدلًا لمواد الـ(الإسلامية والقرآن الكريم والعلوم الاجتماعية للمرحلة الابتدائية) 20222023وأدخلت هذه المناهج دروسًا جديدة وعدّلت أو حذفت دروسًا أصلية، تحت ذريعة "حماية الإسلام" والهوية الايمانية، كما تشرف الجماعة على عملية التدريس بالإضافة الى الآراء السياسية والدينية للمعلمين داخل الفصول الدراسية.
حالة الاستهجان لدى الأهالي ارتفعت، حتى بات بعضهم يدعوا الى توقيف أطفالهم عن التعليم، واستبدالها بالدراسة عبر الانترنت او في معاهد تعليم اللغات والحاسوب. كما تفيد سلوى الغابري.
وتضيف الغابري (أم ثلاث بنات) في حديثها لـ"العاصمة أونلاين"، أفكر في توقيف بناتي لاسيما الصف الخامس والثامن، عن التعليم، مادامت قد تعدلت عما درسناه سابقا، ان تجلس بنتي في البيت دون تعليم خير من ان تبرمج عقليتها بصورة طائفيه عنصرية، او تدرس اشعار معاذ الجنيد.
واستبدلت مليشيا الحوثي مؤخرا، أشعار شعراء اليمن الكبار أمثال عبدالله البردوني، ولطفي أمان، وعبدالعزيز المقالح، بشعر احد المقاتلين المواليين لها ويدعى معاذ الجنيد.
وأثر إدخال مليشيا الحوثي، اسم وصورة الشاعر الحوثي، معاذ الجنيد في المنهج الدراسي، جدلاً واسعاً وذلك ضمن التغييرات التي استحدثتها على المناهج المدرسية لغرس أفكار وأيديولوجية الجماعة الطائفية والإرهابية.
قابل التعديل على منهج اللغة العربية للصف السابع من التعليم الأساسي، ردود أفعال ساخرة في الشارع اليمني، كون الجنيد لا يملك موهبة وليس له سجل أدبي سوى انه يمجد الفكر الطائفي السلالي.
عمل تخريبي
في السياق، أعلن الصحفي عبدالوهاب الشرفي ـ المقرب من الجماعةـ، رفضه لتعديلات مليشيا الحوثي على مناهج التعليمية قائلاً: “لا قبول بأي تغييرات تمت على المنهج الدراسي على الاطلاق وتحت أي مبرر ولا مجال لنقاشها، مشيراً إلى أنها ليست سوى عمل تخريبي مرفوض ومدان، على حد قوله.
وأوضح، في منشور له على فيسبوك، أن المنهج الدراسي لا يجب الاقتراب منه، إلا في ظل استقرار مؤسسات وعمل وطني يشمل كل اليمن”، وأشار إلى أن "التغييرات في المنهج الدراسي لجزء من البلد عمل تخريبي لا يمكن أن يكون ايجابيا على الاطلاق".
تعليم طائفي
ولجأت مليشيا الحوثي الى تبني برامج وخطط طويلة الأمد لغسل أدمغة الأطفال لضمان ولاءهم للجماعة، ناهيك عن محاولة اقناع الكثير من البالغين منهم الانخراط الى صفوف القتال، من أجل الحفاظ على تربعها في كرسي الحكم.
بالإضافة إلى استخدام التعليم الطائفي الذي يسيطرون عليه لتحقيق النتائج المرجوة التي تستهدف الأطفال في هذا الجانب، لضمان التغيير الطائفي في المستقبل لصالح جماعة الحوثي.
وتشمل الأمثلة ما قد يبدو أنها تغييرات صغيرة، في كيفية تفسير الآيات القرآنية، إلاّ أن هذه التغييرات تغيّر تمامًا فهم المرء للنص، مثلا سُلط الضوء على الآيات التي تمجد الجهاد والقتال، في وقت أُعيد تفسير آيات أخرى لتتماشى مع هوية المليشيا ومنظورها الطائفي السلالي، فضلا عن استبدل فصول كاملة في المناهج السابقة والتي كانت تعكس تاريخ اليمن المتنوع والغني وتحكي على التعايش والسلام، بأخرى تمجد الجهاد في صفوفها وترفع من شأن مقاتليها.
ويقول التربوي، عبدالاله المظفر، أن مليشيا الحوثي، تولت زمام الأمور في العملية التعليمية، بما ينذر مضاعفة تحويل المدارس والجامعات الى وحدات إنتاج حشد طائفي، لا سيما بعد غرس الأمامية والمذهبية ومداهمتها لعقول طلاب اليمن ممن لا زالوا في سن الطفولة.
ويضيف المظفر لـ"العاصمة أونلاين"، أن مليشيا الحوثي تدرس المناهج غصبا عن الجميع، وهناك مشرفون وحتى مندسين بين الطلاب أنفسهم، لنقل أخبار وتعليقات المدرسين بالحرف الواحد، حسب قوله.
وأوضح أن المعلم أصبح، تحت مقصلة الخوف او التهديد بالفصل، والتعرض لإجراءات تعسفية قاسية، مع التشديد بضرورة شرح الدروس المعدلة في المنهج الجديد بكل التفاصيل.
وأشار تقرير حديث، صادر عن منظمة سام للحقوق والحريات والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن مليشيا الحوثي، تستخدم المدارس والمراكز الصيفية لتجنيد الأطفال عبر تلقين الطلاب أيديولوجيات الجماعة من خلال محاضرات مذهبية.
ووفقًا للتقرير، بلغ عدد الأطفال الذين جندتهم الجماعة منذ عام 2014 أكثر من عشرة ألف طفل،.وبحلول نهاية عام 2018، أفادت وكالة أسوشيتد برس عن تجنيد مليشيا الحوثي، حوالي 18 ألف طفل، للقتال في صفوفها بالجبهات المختلفة.