في حضرة الغياب: كلمات عن المهندس عبدالناصر عبدالله باوزير (رحمه الله).

احتاج مني بعض الوقت، لكي أستطيع أن أكتب عن صهر العائلة العزيز عبدالناصر عبدالله باوزير (رحمه الله)، فلم يكن عبدالناصر، ذلك الإنسان الذي تعرفه ولا يترك فيك أثرًا وتأثيرًا. بالرغْم من مرور بعض الوقت على وفاته، فإن شعوري بفقده لا يزال قويًا كما كان دائمًا. فما زلتُ أجد نفسي تحت ألم الفقد والفقدان، وتذكر سجاياه ومواقفه التي لو استذكرتها ما استطعت لها عدًا ولا حصرًا. فهو رجل ظل وفيًا لجذوره وإيمانه، وكانت حياته مصدر إلهام لي.

شخصيًا، يرتبط عبد الناصر في ذهني ووعيي بالأوليات..

فعبدالناصر كان أول صهرًا لعائلتنا. ما زلت أذكر لحظة قدومه مع أهله للخِطبة قبل ٣٣ عامًا وكنتُ في أول الفتوة، وكنتُ "كالعادة"، تكلفني والدتي بشراء تحضيرات الضيافة، ولا سيما "البساكيت"، التي لدي خبرة جيدة فيها (وما زالت).. فكان رحمه الله أول إنسان يُصبح جزء من عائلتنا. وهو ليس صهرًا عاديًا بل كان أخًا وأكثر من ذلك. 

وعبدالناصر أول من رأيته يحمل الهاتف السيار (تيليمن) سنة 1992 عند بدء خدمات تيليمن في المكلا.. وكانت رؤيته وهو يحمله بالنسبة لي في ذلك الوقت أمرًا يبعث على الزهو أمام أقراني.

وعبدالناصر كذلك، هو أول من أدخل إلى منزلنا نقطة الهاتف الأرضي الذي كان في ذلك الوقت حكرًا وامتيازًا خاصًا، بعد أن خاض معركة مع مؤسسة الاتصالات أذكر بعض تفاصيلها.. أتذكر ذلك جيدًا!.

وعبدالناصر أيضًا، أول من أعرفه في حياتي سافر للولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا، وعندما عاد، كنت أسأله عن كل شيء في ذلك العالم الذي لم نكن نعرف عنه "بصريًا" إلا القليل.

وهو أول من عرفته استخدم الإنترنت في نهاية التسعينيات ولم يكن ذلك معروفًا أو مُتاحًا لعامة الناس، وما زلت أذكره وهو يتصفح موقعًا إخباريًا شهيرًا في ذلك الوقت يُعنى بقضايا المسلمين في العالم. وعندما سافرت للأردن للدراسة، كان عبدالناصر أول من حدثني عن الأردن وزودني بمعلومات مهمة عنها.. ودس في يدي يوم سفري بضع مئات من الدولارات تُعينني على ترتيبات حياتي الجديدة التي اختبرها قبلًا عندما كان هو طالبًا في "كييف" الذي عرف بردها القاسي. لذلك، كلما يأتي الشتاء في الأردن وأهمُ بالخروج من المنزل أتذكر فورًا أن ألبس لفحة على رقبتي. حينها قال لي رحمه الله: اعلم أن حماية الرقبة من البرد أهم من أي شيئًا آخر تحتاط له من البرد. ومر على مقامي بالأردن ست وعشرون شتاءً، أتذكر في كل يوميات الشتاء اللفحة ووصايا عبدالناصر.. فكيف أنساه ما تعاقب الشتاء طوال هذه السنوات؟. في طقس كانون من كل عام يبدو لي عبدالناصر وكأنه يقول لي: "أخبرتك ذات يوم".

ولم يكن تأثير عبدالناصر على حياتي إنسانيًا وشخصيًا، بل ومعرفيًا وسياسيًا، فعبدالناصر كان موسوعيًا وصاحب موقف سياسي من أي حدث، فهو ليس من ممن يمر بين الأحداث العابرة دون أن يكون له رأياٌ وتحليل. وتفتحت مداركي في الشأن العام الداخلي والخارجي من الاستماع له، فلم تكتمل معارفي إلا به وعبره.

أفهم أنه لا نهاية للذكريات مع العزيز عبدالناصر رحمه الله، وما اخترته من بعض ذكراه، ليست سوى نظرات وأفعال توضح بشكل أفضل شخصية عبدالناصر..

لقد أحدثت وفاة عبدالناصر المفاجئة وهو في قمة عطائه صدعًا كبيرًا في حياتي. هذه صدمة تركت بصمة في نفسي وغيرت الطريقة التي أتفاعل بها مع مواقف الحياة بطرق لم أفعلها من قبل. لقد كان أخًا رائعًا وإنسانًا نادرًا. وأشكر الله على السنوات التي قضيتها معه، وتأثيرها العميق جدًا في حياتي.

 

إلى أبناءه الأحباء أميمة و عبدالله و نور الهدى و سعيد..، كان لديكم أب ذو صفات نادرة.. إنساني جدًا، مُنجز جدًا، اجتماعي. لقد كان يحبكم وكان فخورًا جدًا بكم، وبالعائلة الممتدة.. لقد أحبنا جميعًا كثيرًا وتلقى حبًا كبيرًا من الجميع.

لتطيب ذكراه.. والحبُ له إلى الأبد..

 

الدكتو/ باسل باوزير