في المشهد اليمني الراهن… غياب الدور وحضور الصفقات

فارس العدني

 

ما يجري اليوم على الساحة اليمنية مؤسف بكل المقاييس؛ فالعالم بأسره منشغل بإضعاف جماعة الحوثي، وتقليص قدراتها العسكرية والسياسية، بينما تبدو القيادة اليمنية – ممثلة بـ مجلس القيادة الرئاسي – وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد. فلا مبادرة، ولا تحرك، ولا حتى خطاب سياسي يستثمر اللحظة أو يواكب الزخم الدولي نحو إنهاء هيمنة الحوثيين، الذين جثموا على صدور اليمنيين لما يقارب عقدًا من الزمن.

 

المؤسف أكثر أن هذا الجمود لا يبدو ناتجًا عن قصور فحسب، بل عن نهج مقصود أو مستسلم، يجعل من المجلس – بمكوناته الثمانية – وكأنه خط الدفاع الأول عن بقاء الوضع كما هو عليه، وكأن المطلوب هو الوصول إلى صيغة شراكة منقوصة مع الجماعة الحوثية، حتى ولو كان ذلك على حساب دماء اليمنيين وتضحياتهم الجسام.

 

المفارقة أن المجلس، الذي يعاني من التباينات والشلل في الملفات الكبرى، يُظهر نباهة لافتة عندما يتعلق الأمر بتقاسم النفوذ والمناصب، والتصادم الداخلي لتأمين حصص التعيينات لأتباع هذا الطرف أو ذاك، في مشهد عبثي يُدار كسباق على تركة شرعية كانت – في وقتٍ ما – متماسكة، موحدة الهدف، ممثلة لكل أطياف الوطن، ومسنودة بإجماع وطني ودستوري.

 

اليوم، تُستكمل جولات التعيينات والإقصاءات بطريقة ممنهجة، تُقصى فيها الكفاءات الوطنية، وتُهمّش فيها الشخصيات التي انتمت لمشروع الدولة، خاصة ممن تبقى من رجال الدولة الحقيقيين الذين ارتبطوا بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي؛ الرجل الذي بزُهده وصمته، لا يزال يُوفر الغطاء الشرعي لهؤلاء الذين يحكمون اليوم.

 

ما يحدث ليس مجرد تراجع في الموقف، بل انقلاب صامت على جوهر الشرعية نفسها، واستبدال التمثيل الوطني بتفاهمات محاصصية هزيلة، لن تصنع دولة، ولن تُنهي حربًا، بل فقط تؤجل الانهيار وتُعيد إنتاج الأزمة بثوب أكثر هشاشة