أثار البيان الصادر عن مجموعة هائل سعيد أنعم بشأن الإجراءات الحكومية الأخيرة لتنظيم سوق العملة والاستيراد، الكثير من التساؤلات، لا سيما في ضوء عبارته المثيرة للجدل: “دون تنسيق مع الجهات المعنية”، التي جاءت دون إيضاح لمن تُقصد بهذه الجهات.
فهل كانت المجموعة تقصد البنك المركزي اليمني نفسه؟ أم أنها تُلمّح – ضمناً – إلى سلطات الأمر الواقع في صنعاء حيث تتركز معظم أنشطتها واستثماراتها؟
بعيداً عن التأويلات، فإن مضمون البيان يكشف عن موقف غير مريح تجاه الإصلاحات الأخيرة، خصوصاً تلك التي شملت تشكيل لجنة رقابة على المدفوعات، وهي لجنة تُلزم التجار بالإفصاح المسبق عن البضائع المستوردة، وتربط بين قيمة العملة المطلوبة للاستيراد وكميات البضائع الفعلية التي تدخل السوق.
هذه اللجنة تهدف إلى منع تهريب العملة، ومكافحة غسل الأموال، ووضع حد لاستخدام اعتمادات الاستيراد لأغراض خارج الاقتصاد الوطني، وهي إصلاحات طالما طالبت بها مختلف الجهات الاقتصادية والدولية.
لكن بيان المجموعة، الذي حمل عنوان “توضيح”، بدا أقرب إلى ردة فعل دفاعية تجاه هذه الإجراءات، خصوصاً بعد مطالبته بتوفير العملة الصعبة للتجار بأسعار “مخفضة”، في إشارة ضمنية إلى الاعتراض على الآلية الجديدة لتسعير العملة والتعاملات البنكية.
المفارقة أن البيان نفسه أقر بأن المجموعة شرعت في إعادة تسعير منتجاتها بما يتوافق مع الإجراءات الجديدة، وهو ما يشير إلى تجاوب عملي، رغم الاعتراض النظري.
ما يلفت الانتباه أيضاً أن مجموعة هائل سعيد أنعم ما كانت لتصدر بيانًا بهذه اللهجة وهذا الأسلوب لو أن أسعار الصرف تراجعت في مناطق الحوثيين… لكن حين يحدث التراجع في عدن، نُفاجأ بلهجة هجومية وتلميحات مريبة، وكأننا أمام ازدواج في المعايير:
في صنعاء حاضر… وفي عدن: هنجمة و”ليش؟”
فما الذي يدفع مجموعة تجارية بهذا الحجم إلى إصدار بيان كهذا؟ ولماذا يُوصَف التنسيق مع المؤسسات الرسمية – في سياق كهذا – كشرط مسبق لاتخاذ قرارات سيادية في السياسة النقدية؟
قد يكون الجواب في تحول ميزان القوة الاقتصادية. فمع تفعيل الرقابة وتقييد السوق السوداء، بدأت بعض الجهات المستفيدة من النظام القديم تشعر بتآكل امتيازاتها، لا سيما تلك التي راكمت أرباحاً طائلة من هوامش العملة، والتهريب، وغياب الشفافية.
ويبقى السؤال الأهم:
هل ما نراه الآن هو بداية تفكيك منظومة اقتصاد الظل في اليمن؟ أم أننا أمام معركة مؤجلة بين الدولة ورؤوس المال النافذة؟