فارس العدني
لم يكن تحرير عدن مجرّد شعار ولا هتاف يُرفع في المنابر، بل كان دماءً سالت على ترابها، وأرواحًا ارتقت دفاعًا عن مدينتها. يومها، حين اختار البعض التنصل وادّعى أن الحرب لا تعنيه، كان شباب عدن يقاتلون في الشوارع والجبال، يسطّرون بصدورهم العارية ملحمة الصمود. وفي مقدمة هؤلاء يظل اسم الشهيد اللواء علي ناصر هادي، أبو الشهداء، شاهدًا خالدًا على أن عدن حررها أبناؤها، لا غيرهم.
لكن ما يؤلم اليوم أنّ تلك التضحيات العظيمة تحاول بعض الأصوات طمسها أو المتاجرة بها. فشعار “النضال” الذي صدّعوا به رؤوس الناس تحوّل إلى ستار يُغطّي ممارسات أبعد ما تكون عن قيم التضحية والإخلاص: فساد، نهب موارد، مناطقية مقيتة، وإقصاء متعمّد لأبناء الجنوب أنفسهم. وكأنّ الدماء التي سالت لم تكن سوى وسيلة ليتسلّق عليها أدعياء النضال الزائف نحو مصالحهم الضيقة.
التاريخ لا يُزوَّر. وعدن لا تنسى أبناءها الذين استماتوا في الدفاع عنها، ولا تقبل أن تتحول بطولاتهم إلى أوراق في يد من يسعون إلى شرعنة فسادهم وممارساتهم. فالشعارات لا تحرّر أرضًا، ولا تحمي وطنًا، بل الرجال الذين قدّموا أرواحهم هم من فعلوا ذلك.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بات واجبًا أن يُقال بوضوح: أبناء عدن لم يضحّوا لتُقصى أصواتهم، ولم يحرروا مدينتهم ليتحوّل دمهم إلى جسر يعبر عليه المنتفعون. الوفاء للشهداء يقتضي الاعتراف الصادق بدورهم، وحماية حقوق أهل عدن، ورفض أي محاولة لتزييف التاريخ أو المتاجرة بتضحياتهم.
رحم الله أبو الشهداء علي ناصر هادي، ورحم شباب عدن الذين كتبوا بدمائهم صفحة التحرير. والخزي والخذلان لكل من يتخذ من “النضال” غطاءً لفساده وإقصائه.