يبرز العدد المحدود من السيارات على خط التجميع في مصنع سيارات مملوك للحكومة الإيرانية قرب حمص، المصاعب التي يواجهها طموح طهران الاقتصادي في سورية.
وتأســـــــــس المصنع قبل بدء الحرب السورية، في وقت كانت تسعى الدولتان الحليفتان إلى تقارب بين اقتصاديهما، وأُعيد تشغيله عام 2016 بناء على أوامر من طهران بعد إغلاقه في بدايات الحرب.
وبدلاً من العدد الذي يُتراوح بين 50 و60 سيارة التي كان المصنع يجمعها يومياً قبل الحرب، بات يُنتج اليوم 3 أو 4 سيارات فقط، كما يغطي الغبار عشرات السيارات في مخزنه، إذ إن القليل جداً من السوريين يستطيع تحمل كلفة شراء تلك السيارات، حتى مع عرض خصومات. ويتعين شحن أجزاء السيارات بحراً بدلاً من المسار البري الأقصر بسبب إغلاق حدود سورية مع العراق، كما تتسبب العقوبات الغربية في صعوبة تحويل الأموال.
ويؤثر ذلك المزيج من ضعف السوق والمشكلة اللوجيستية والعقوبات، فضلاً عن منافسة شركات من روسيا، الحليف الآخر الرئيس لدمشق، على الكثير من الشركات الإيرانية العاملة في سورية.
ومنحت طهران دعماً مالياً مباشراً لدمشق، وتساعدها في استعادة بنيتها التحتية، لكنها أيضاً حصلت على امتيازات اقتصادية وإمكانية دخول السوق، بما قد يمنحها في نهاية المطاف بعض التعويض عن استثمارها في الحرب.
وتؤكد شركات إيرانية رغبتها في التصدير إلى سورية أو ممارسة أنشطة هناك، كما أنها متفائلة بأن السوق ستتحسّن مع تحرك دمشق قدماً نحو إعادة الإعمار.
وقال رئيس العلاقات العامة لدى شركة «عمران ومساكن إيران» مهدي قوام، وهي شركة تطوير عقاري ترتبط بـ«بنياد مستضعفان»، وهي مؤسسة خيرية استحوذت على العديد من الشركات الخاصة بعد الثورة وتسيطر عليها الحكومة الإيرانية: «نتطلع إلى مشاريع تشييد هناك، سكنية، ومساحات مكتبية، وقاعات رياضية، إذ توجد سوق جيدة جداً في سورية». ومنذ بدء الصراع، يباع مزيد من السلع الإيرانية في سورية، ولكن حركة البيع لا ترقى إلى مستواها في العراق، الذي يشترك في حدود طويلة مع إيران. وتباع التمور والزعفران والزبيب ومنتجات التجميل الإيرانية في محال دمشق، إلى جانب منتجات من العديد من الدول الأخرى.
علاقة وثيقة
في مصنع «سايبا» السوري للسيارات، يوجد ملصق كبير يحتفي بالتحالف بين البلدين، ويظهر الأسد خلال زيارة إلى إيران إلى جانب رئيس البلاد آنذاك محمود أحمدي نجاد.
ويتجه الأسد إلى إعادة الإعمار، لكن بينما تبدو الخطوط الأمامية قد استقرت حالياً، فإن الحرب لم تنته بعد، فلا تزال أجزاء كبيرة من سورية خارجة عن نطاق سيطرة الأسد، بينما بات حجم الاقتصاد يشكل جزءاً ضئيلاً فقط مما كان عليه قبل الحرب.
وقال مدير التصدير ومستشار شركة «فريدولين» لتصنيع الأجهزة المنزلية رضا أغازيارتي: «قطعاً، هناك الكثير من الدمار، والكثير من البنية التحتية الاقتصادية مدمرة، ولكنها أيضا فرصة». وأضاف أن «القوانين السورية تحمى الصناعة المحلية، وتحظر استيراد الأجهزة الكهربائية، لكن فريدولين تريد تأسيس مصنع في سورية لإنتاج الأجهزة هناك».
وبالنسبة إلى شركة «سايبا سورية»، يقول مدير الشركة عماد علويان إن الصعوبة الأكثر إلحاحاً هي محدودية الطلب. وأضاف: «القدرة الشرائية للزبائن في سورية في وقت الأزمة انخفضت، ولكن الأوضاع أفضل من قبل وبتنا نرى حركة جديدة ونحن متفائلون». وتابع: «أخذنا تخفيضات كثيرة من إيران لنساعد الزبون السوري»، لكن الطلب لا يزال ضعيفاً.
ويتم شحن أجزاء السيارات في صناديق خشبية إلى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط، في رحلة تزيد آلاف الأميال عن المسار البري المباشر المغلق عبر العراق.
وقال علويان: «لا نواجه مشكلات في النقل، إذ تأتي القطع من إيران، ولكن المشكلة تكمن في تحويل ثمن القطع». وكان من شأن العقوبات الغربية أن جعلت نقل الأموال إلى الخارج أو جلبها إلى داخل البلاد مصدر إزعاج للشركات السورية.
عقوبات
ومع الانفصال عن الكثير من شركائها التجاريين السابقين ومعظم الاستثمار الأجنبي، شجعت دمشق بقوة العلاقات التجارية مع إيران، ما ساهم في تأسيس غرفة تجارة مشتركة. واتفقت الحكومتان السورية والإيرانية على تأسيس مصرف مشترك لتسهيل تحويل الأموال، من دون التأثر بالعقوبات الغربية، على رغم أن ليس من الواضح موعد بدء عمل المصرف أو مدى فعاليته.
ولم تحرز العديد من المشاريع الكبيرة أو الامتيازات الاقتصادية التي أُعلن عنها سوى تقدم محدود، أو لم تحقق تقدماً على الإطلاق، بعد الإعلان عنها بأشهر، بما في ذلك الإعلان عن رخصة شبكة هاتف خليوي ومنجم فوسفات ومصفاة لتكرير النفط في كانون الثاني (يناير) 2017.
وفي غضون ذلك، بدأت شركات روسية بالفعل العمل في قطاعي الفوسفات والطاقة، ما يقود إلى تكهنات في وسائل الإعلام الإيرانية بأن روسيا تتغلب في المنافسة على إيران. وقال النائب المعني بالهندسة والبناء لدى شركة البناء الإيرانية «ملي ساختمان» ماجد روستامي، المرتبطة أيضا بـ«بنياد مستضعفان»، إن «الشركة تنظر إلى الشركات الروسية على أنها منافستها الأكبر».
وقال الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي في طهران سعيد ليلاز: «نظراً إلى أن لروسيا اليد العليا عسكرياً في سورية، فإن الشركات الروسية التي لديها تكنولوجيا أفضل وقوة مالية أكبر، سيكون بمقدورها العمل على بشكل في سورية».