لقد لفت انتباهي في إعلان صندوق قطر للتنمية أواخر سبتمبر المنصرم عن بدء برنامج مشترك مع الأمم المتحدة لدعم النساء في مناطق النزاع، تركيز الأشقاء في دولة قطر الشقيقة على تبني دعم قضايا ذات أولوية ملحة تعود بفوائد حقيقية وملموسة على البلدان والمناطق المنكوبة.
ففي بلدي اليمن، يمكن اكتشاف واحدة من الصور القاسية للحرب، بالنظر إلى تلك النتائج المأساوية التي خلفتها في واقع وحياة المرأة اليمنية.
فالصور القادمة من محافظات، ومراكز المدن والقرى اليمنية، ومخيمات النزوح المتعددة، تهز الوجدان، وتعطي كل من تقع عينه عليها انطباعا عن مستوى وحجم الكارثة الإنسانية الرهيبة التي تعيشها النساء في بلادنا.
ورغم أن الحرب التي تسبب بها الانقلابيون قد ألقت بظلالها الأليمة على المدنيين كافة؛ إلا أن تأثيرها على النساء أخذ بعدا أكثر مأساوية، بالنظر إلى طبيعة المعاناة التي تعيشها المرأة اليمنية منذ عقود؛ جراء اختلال ميزان الحقوق، وانعدام المساواة، والذي مهد لتفاقم الوضع الصعب للنساء اليمنيات.
فقد أدت النزعة الذكورية الصارمة التي يتسم بها المجتمع اليمني، إلى الحد من قدرة المرأة على الحركة، ومواجهة أعباء الواقع الذي أفرزته الحرب؛ ما تسبب في معاناة واسعة النطاق للنساء في اليمن، اللاتي وقعن بين مطرقة الحرب، وسندان التمييز، و"ثقافة العيب" التي تمنع المرأة من الانخراط في المجال العام، وتعمل على تقييد حركتها في هامش ضيق تحت مبررات وذرائع لا علاقة لها بحدود الشرع، ونصوصه بهذا الشأن.
كما أن اتساع نطاق النزاع، واشتداد ضراوته في أكثر من محافظة يمنية قد فتح الباب لانتهاكات واسعة بحق النساء والفتيات؛ فالأرقام تشير إلى مقتل وجرح آلاف النساء في بلادنا، جراء الهجمات العشوائية وأعمال القنص، لا سيما من قبل جماعة الحوثي التي لم تتوقف عن استهداف الأحياء المأهولة في المناطق المحررة، وتصر بطريقة غريبة، على مراكمة سجلها الأسود في ارتكاب الانتهاكات اليومية بحق المدنيين.
ولا تتوقف المأساة عند هذا الحد؛ فالنساء والفتيات يشكلن أيضا أكثر من 70 بالمائة من إجمالي النازحين داخل البلاد، والبالغ عددهم نحو 4 ملايين شخص.
وبنظرة سريعة لواقع الحال في مخيمات النزوح، لاسيما في محافظة مأرب (شرق) التي تضم عشرات من هذه المخيمات، تتبدى صورة كارثية لحال النساء فيها، خاصة مع تناقص التمويل اللازم لمشاريع الإغاثة الطارئة التي تنفذها وكالات مرتبطة بالأمم المتحدة خلال الفترة الماضية، والذي أدى إلى تقليص الدعم المقدم لفئات عديدة، وإغلاق العديد من برامج الإغاثة الإنسانية في البلاد.
كما فاقمت الحرب معاناة المرأة اليمنية في الحصول على الخدمات، لاسيما خدمات الرعاية الصحية، فالتقارير الأممية تشير إلى أن أُمّا و6 مواليد يموتون كل ساعتين أثناء فترة الحمل بسبب مضاعفات كان يمكن تجنبها بتوفر بعض الخدمات والرعاية الصحية البسيطة.
هذه الصورة المأساوية المروعة للظروف التي تعيشها النساء في اليمن جراء الحرب، بحاجة لاستنهاض جهود الإقليم والعالم من أجل التصدي لها.
وفي الواقع لقد فتح الإعلان القطري عن برنامج لدعم النساء في مناطق النزاع نافذة جديدة للأمل بمضاعفة الجهود لتخفيف المعاناة التي تعيشها النساء في اليمن، فنحن نثق بأشقائنا في قطر ونتطلع لحضور يدهم الإنسانية في هذا الاتجاه خاصة وأن تصريحات قيادة صندوق قطر للتنمية المصاحبة لتدشين هذا البرنامج أشارت إلى أن أفغانستان ستكون هي المحطة الأولى لعمل هذا البرنامج ومن ثم الانتقال إلى العمل في دول المنطقة.
نعم، لقد عانت المرأة اليمنية بما يكفي، وحان الوقت لكي تتكامل جهود الجميع لانتشالها من هذا رب الواقع الأليم ولتكن قطر هي المبتدأ.
سفير الجمهورية اليمنية لدى قطر