تؤكد المؤشرات الدبلوماسية التفاوضية وتحركات رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي ونائبه اللواء فرج البحسني، نجاح المساعي الدولية والإقليمية والمفاوضات لتمديد الهدنة والاتجاه بخُطئ جادة لوقف الحرب في اليمن، والدفع بأطراف الصراع للانخراط في مفاوضات الحل السياسي للوصول إلى تسوية وإحلال السلام في اليمن، الذي بات واضحًا أنه قادم على ولادة مرحلة جديدة لم تتضح تفاصيلها بعد!، لكنها تحمل عنوان: انطلاق الجميع صوب محطة السلام، الأمر الذي يثير هواجس الخوف في الشارع الجنوبي والخشية من تكرار الجنوبيين للأخطاء السابقة نفسها، والانخراط بمشاركة غير مكتملة، كما تعودوا الفشل والاخفاق وخسارة فرص النجاح والحلول التي يمكن يجمّع عليها معظم الجنوبيين وتلبي تطلعاتهم. وهنا سؤال يضع نفسه.. فهل يندفع الجنوبيون إلى طريق السلام، وهم ممزقون أم أن هناك حالة توافق ولو في أدنى مستوياتها؟ أخفق الجنوبيون مراراً وتكراراً في رسم الطريق الآمن لبناء دولتهم منذُ ما قبل الاستقلال، وأدى اخفاقهم إلى التناحر قبيل استلام الحكم في الجنوب من بريطانيا في نوفمبر 67م، التي اعلنت مسبقاً أنها تخطط للخروج من عدن في يناير 68م، وبسبب حب السلطة واقصاء الآخر، حاول كل طرف أن ينفرد بالسلطة واستمرت حالة عدم الوفاق والتوافق الجنوبي فيما بعد، بكل ما أحدثته من ازمات وصراعات دموية مروراً بالانفراد والدخول في وحدة اندماجية غير متكافئة مع الجمهورية العربية اليمنية عام 1990م دون إشراك بقية الجنوبيين، فلم تكن شجاعة علي البيض بهرولته للتوقيع على وحدة الشطرين كافية لتحقيق تطلعات أبناء الجنوب، بسبب إقصاءه بعض القيادات الجنوبية في تلك المرحلة، وعدم دفعهم لتأييد الخطوة التي أقدم عليها منفردًا. يتضح جليًا من الخلفيات التاريخية للأحداث ومساراتها السياسية والعسكرية في الجنوب، أن أخفاق الجنوبيون في كل المراحل منذُ الاستقلال إلى اليوم يعود إلى عوامل ذاتية مرتبطة بالسلوك السياسي للقيادات الجنوبية وحبها للسلطة، أكثر من العوامل الموضوعية، مع التأكيد أن التدخلات الخارجية قد عبثت بوحدتهم وعمقت صراعاتهم، وبالتالي لا يحصدون من دخولهم ممزقين ومختلفين، غير متفقين على هدف موحد أو قيادة موحدة في أي مرحلة من المنعطفات السياسية السابقة، إلا الإخفاق والفشل، تارة بنصر عسكري غير مكتمل وأخرى بنصر سياسي لم يكتمل. وبالرغم مما حققته جمعية المتقاعدين العسكريين من نجاح وتهييج الشارع وخلق اصطفاف جنوبي خلفها عند إنطلاق ثورة الحراك الجنوبي السلمي بقيادة المناضل العميد ناصر النوبه وبقية رفاقه في 7 يوليو 2007م إلا أن أعداء الجنوب سرعان ما قاموا باختراقه وتفريخه إلى عدة كيانات تحمل أهداف متناقضة وزعامات تلهث خلف المال والمنصات ، مما أعاق انتقال الحراك الجنوبي السلمي من طور الثورة الشعبية إلى التنظيم المؤسسي لإفراز حامل سياسي موحد يحمل القضية الجنوبية، وللأسف تكرر نفس السلوك في مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء رغم الدهاء والمرونة السياسية التي ابداها الرئيس هادي لإدارة الحوار التي حققت فيه التيارات الجنوبية المشاركة نتائج شكلت أرضية ونصر سياسي حينذاك لكنه أيضا غير مكتمل، وكان بالإمكان أن تكون نتائجه مقبوله في تلك الفترة إذا ما حصلت على تأييد من بقية التيارات الرافضة لفكرة المشاركة في حوار صنعاء الذي تم الانقلاب على مخرجاته وتفجير الحرب واجتياح مليشيا الحوثي التابعة لإيران وشركاؤها للجنوب. إن الغزو الشمالي الذي واجهه الجنوبيون وبإسناد من دول التحالف العربي بإرادة صلبة وشجاعة أبهرت العالم عندما استطاع قائد معركة السهم الذهبي الشهيد اللواء جعفر محمد سعد رحمه الله، تحرير مدينة عدن في غضون خمسة أيام وإحراز نصر عسكري مؤزر، إلا أن ايادي الغدر اغتالته قبل أن يكتمل الشق السياسي للنصر العسكري. لم يتعلم الجنوبيون الدرس، والشروع في تأسيس كيان سياسي يوحدوا فيه هدفهم وقيادتهم كحامل سياسي للقضية الجنوبية، بل تكرر الطيش والإفراط في ممارسة سلوك التطرف السياسي، إذ تراجع دور المجلس الانتقالي الجنوبي بأن يكون المظلة التي يتوحد تحت ظلها الجميع، وتجذب كل الجنوبيين، والحضارم بمختلف اهدافهم ومشاريعهم المتعددة (إعادة صياغة الوحدة اليمنية في اتحاد فيدرالي أو كنفودرالي أو فك الارتباط أو دولة حضرموت)، للانصهار فيه، وخسر الجنوبيون بذلك الفرصة التي كان باستطاعتهم الظفر بها لتوحيدهم ليصبحوا الرقم الأصعب في معادلة السلام والتسوية القادمة. إن لم يعترف الجنوبيون اليوم لبعضهم البعض بالحقيقة المؤلمة وهي أن ضعفهم يُكمن في تشرذمهم ومحاولة كلاً منهم التفرد بالقرار وإقصاء الآخر، وهذا لن يأتي بالجنوب أو أي حلول منصفه لقضيتهم العادلة، بل سيتسبب في تعطل سير قطارهم إلى محطة السلام، أو قد ينطلق دونهم، ثم يركضون خلفه فيما بعد، لكن في الوقت الضائع! ولن يحققوا أفضل النتائج والحلول في التسوية القادمة إلا بتوحيد الهدف، وعليهم ألا يجربوا المجرب والاقتناع بإن قضيتهم العادلة تحتاج إلى قيادة مستقلة معتدلة غير متطرفة سياسياً، تقف على مسافة واحدة من الجميع وتتحلى بالشجاعة والدهاء السياسي والدبلوماسية، وهذا ما نراه اليوم في شخصية اللواء فرج البحسني، المستقلة التي لم تتلطخ يداه بالدماء أو بالتطرف السياسي، أو المال العام، وينظر إليه معظم الجنوبيين والحضارم كالقائد المنتظر لخلق التوافق الجنوبي الجنوبي، فهل يستطيع البحسني قيادة قطار الجنوبيين نحو محطة السلام؟.
البحسني..هل يقود قطار الجنوبيين إلى محطة السلام؟
2023/02/18 - الساعة 02:37 صباحاً