لم أسمع من قبل أي قائد سياسي أو حراكي أو انتقالي حضرمي أو جنوبي وصف القضية الجنوبية بأنها "أسمى وأرقى من أي خلافات" إلا يوم أمس من نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اللواء الركن فرج البحسني (القائد السياسي العسكري الحضرمي المستقل) في المكلا عندما "دعاء المكونات الجنوبية كافة إلى توحيد الجهود والتحضير للمشاركة في تمثيل القضية الجنوبية والدفاع عنها، واستغلال الظروف المهيأة للدفع بالقضية إلى الأمام ووضعها على أولويات طاولة الحوار، ونبذ الخلافات وتوحيد الرؤى، كون أن القضية أسمى وأرقى من أي خلافات"، أثناء استقباله العميد أحمد بامعلّم عضو هيئة رئاسة الانتقالي الجنوبي، فلماذا نسمع اليوم هذا الوصف للقضية الجنوبية بعد عقود من الزمن على تشكلها وما تواجهه من استهداف واضح؟ اجزم أنه لن يجرؤ على القول أي قائد جنوبي ليصف القضية الجنوبية بهذا الوصف، بسبب التمترس خلف الماضي بكل سلبياته، بالإضافة إلى أن معظمهم يغذي الخلافات الجنوبية – الجنوبية، وكذا نظرتهم الأنانية الخاطئة لبعضهم البعض، والاعتقاد أن خلافاتهم ودوافعها وتياراتهم، هي أكبر من الوطن الجنوبي، والقضية الجنوبية، أي أن الشعار الجنوبي المُدمر ( لا صوت يعلو فوق .....) لا يزال يدمر حياتنا ومستقبلنا في الجنوب وفي حضرموت، بسبب غياب الخطاب التصالحي، وعدم واقعية الخطاب الإعلامي والسياسي لدى غالبية التيارات الجنوبية وقادتها وافتقارهم للرؤية الواضحة، وفقدانهم البصيرة لتشخيص الوضع، وكيفية التعامل مع المستجدات والمتغيرات الناشئة، واستغلال الفرص والتحولات السياسية الدولية وعدم خسارتها، وتحويلها إلى مكاسب سياسية تخدم القضية الجنوبية. إن هذه الأسباب والاخفاقات شكلت عوامل وعناصر معيقة لتقدم القضية الجنوبية، بل اضعفتها في كل المسارات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتسببت في تعثرها والفشل في مواكبة المتغيرات والتحولات السياسية محلياً وإقليمياً ودولياً، والإخفاق في التعامل معها بدبلوماسية وواقعية، كما شاهدنا التخبط في كثير من المواقف والأحداث السياسة لبعض التيارات التي تدعي حصراً على أنها هي فقط الحاملة لها، وللأسف دأبت على تكريس سلوك سياسي وخطاب مرفوض لإعلاء صوت التخوين والمؤامرة وإصدار التهم الجاهزة لمن يختلف معها في الرأي، وارتفاع ضجيج هذه الأصوات فوق أصوات العقل والحكمة في وقت يفترض أن تكون هي الأعلى. لقد أنصف البحسني القضية الجنوبية خير إنصاف بهذا الوصف المؤثر، وهي الحقيقة التي لم ولن يجرؤ على قولها أحد، والأكثر تأثيراً وصدقاً أن هذا الوصف صدر من قائد سياسي (مستقل) ولولا عدم انتماءه إلى أي حزب أو تيار سياسي لما كنا سمعناه، ولمسنا وقعه النفسي الإيجابي على المجتمع الحضرمي والجنوبي، والذي حمل في دلالاته معاني عميقة ورسالة وطنية عظيمة، تنير الطريق وترشد من أراد أن يسير في الطريق السليم، عليه أن يفرق أولاً بين الوطن والتيارات السياسية، فالوطن فوق الجميع، وتحديد العلاقة بينهما، وعدم احتكار القضية الجنوبية من قبل أي تيار أو مكون جنوبي، بل هي قضية كل جنوبي، وطني غيور على مستقبل الجنوب، وهي أسمى وأرقى من خلافات المكونات والتيارات السياسية الجنوبية، بل حرص على أن يوجه بهذا الوصف درساً نافعاً في السياسة، لكي يتعلم الجنوبيون، كيف يختلفوا ولماذا ومتى؟ وتحديد العلاقة والمساحات الآمنة بينهم للاختلاف والتباين لإبقائها قائمة بين تياراتهم ومكوناتهم السياسية والمدنية والقبلية والمستقلين. شكراً اللواء البحسني، فهل يتعلم الجنوبيون الدرس؟
هل يتعلم الجنوبيون الدرس؟
2023/03/16 - الساعة 10:03 صباحاً