سقطرى ومبدار تشابه في النبات والطيور 3

  لا أريد الإغراق في وصف الأشجار التي تنتشر في سقطرى وجبل مبدار ، وهي ليست غريبة ولا نادرة لوجودها في أماكن كثيرة من أقطار الأرض وجغرافيتها ، ومن هنا وقبل أن أعمد إلى عالم الطيور فإن في الجزيرة أشجارا كثيرة لاترتفع عن سطح الأرض إلا بسنتيمترات ، لكنها تنافس الريحان وبعض العطور بروائحها الطيبة ، وذلك قد عرفته ونحن في منتصف العقبة التي ننتهي منها صعودا إلى سطح هضبة دكسم ، إذ استوقفت سائق المركبة ، وترجلت لاشتمام تلك الأشجار الصغيرة في حجمها ، الممتدة برائحتها ، اقتطفت شيئا منها ، وإذا بها لاتختلف في رائحتها الطيبة ولا في شكلها عما كنت أقتطفه وأشتمه من تلك الأشجار الصغيرة المنتشرة في جبل مبدار ، وأنا طفل صغير أرعى الأغنام ، لاسيما في مواسم هطول الأمطار ، والتي نسميها ؛ الحبقبق - بضم الحاء والباء وسكون القاف - والنيد - بتضعيف النون وكسره - حتى أن الأهل يقولون أشعارا يمدحون بها الراعي إذ تكون رائحته عطرة من ملامسته لتلك الأشجار ، ويذمون من يبقى في البيت ويصفون رائحته برائحة الحلص - هي شجرة رائحتها غير طيبة - ومن ذلك قولهم : عرف امرويعي حبقبقو ونيدو ** وعرف امقيل حلصو خميدو ومعنى البيت : رائحة راعي الغنم عطرة مستمدة من روائح أشجار الحبقبق والنيد ، ورائحة من يجلس في البيت رائحة كريهة مستمدة من رائحة الحلص الناجح ، نذهب إلى الحديث عن شجرة وحيدة فريدة ليس لها شبيه أو مثيل ، حسب علم الكاتب ، توجد هذه الشجرة العملاقة ، ذو البسطة في الجسم والعمر ، في أعلى قمة من جبل مبدار ، قد يسأل أحدكم عن معلومات كثيرة عن هذه الشجرة ، أقول له : لقد شاهدتها أنا مرة واحدة حين كنت طفلا يرعى الأغنام ، أما اليوم وقد نيفت على الخمسين العام لا أستطيع الوصول إليها سيرا على الأقدام ، والعربات لم تشق لها طريق إلى قمم جبل مبدار حيث تقطن تلك الشجرة الغريب ، ولكن سألت عنها أخي العزيز عبده فارع الطريبي ؛ لأنه أحد جيرانها الأقربين ، فقال : إنها لاتتكاثر أبدا ، ولدت وحيدة ومازالت وحيدة غريبة ، وأشار إلى أنها تعرضت لصاعقة سماوية أو مانسميه البرق ، فحرق الكثير من سوقها وأغصانها وأوراقها ، ومع ذلك مازالت عصية على الدهر ، إذ بقيت بعض سوقها حية شامخة تقاوم عوادي الدهر ، وعادة ماتسمع العلقمي يعتزي بها ، ويعدها مفخرة من المفاخر التي ينتسب إليها وتنتسب إليه ،  كذلك قال : إنها لاتشبه شجرة الغريب التي تستوطن منطقة السمسرة من محافظة تعز ، فالأخيرة ليست غريبة لأن لها أخوات ، والكاتب يعرف إحداهن في بلاد العلقمة ، وأضاف قائلا : إن شجرة السمسرة تسمى  ( الكلهم ) ، أيضا من الأشجار الأصيلة والعريقة في جبل مبدار ؛ البشام والنشم والنبع والعسق والظب والسقم  والرنف والهطياط والأثأب والأثل والعرعر والسلام والسمر والرشح (شجرة الصمغ العربي) وتنتج المر الذي يتم التداوي به ، وهذه الأشجار لم أشاههدها في المناطق التي زرتها في سقطرى ، وما أشرت إليه من الأشجار في الجزيرة والجبل ، يعد نزرا يسيرا للتمثيل فقط وليس إحصاء شاملا لما بهما من النبات ...    عزيزي القارئ انتظرنا في السردية القادمة إذ سننتقل بك إلى عالم الطيور في سفوح الجزيرة والجبل .