عذرا هادي 

 نتذكر الرئيس عبد ربه منصور هادي اليوم وهو خارج السلطة لنعطيه حقه ليس لمصلحة أو منفعة، ونحن الذين جلدناه حينما كان الجميع تحت أقدامه، طمعا بمال أو سلطة، وهم بالمناسبة من يجلسون اليوم عند أقدام من خلفوه.

 

ينبغي أن نعتذر للرئيس عبد ربه منصور هادي عن ما طاله مننا كجنوبيين منذ أن طالبنا باخراجه من صنعاء هو ومعظم القيادة الجنوبية في عام ١٩٩٠م كشرط أساسي لتوقيع اتفاقية الوحدة مع علي عبد الله صالح، وحينما رفضنا انتخابه في العام ٢٠١٢م وأخيرا حينما عملنا بكل قوتنا لتنحيته من رئاسة الدولة.

 

نعم دخل هادي عدن في ١٩٩٤م على ظهر الدبابة، وصار عقب ذلك نائبا للرئيس، لكنه لم ينتقم من أحد ولم يمارس المناطقية على من اخرجوه من الجنوب بالنار والحديد، حتى وهو في السلطة لم يدعي في يوم أنه ممثل الجنوبيين، أو يحتكر الوظيفة العامة وفق معايير مناطقيه أو بموجب ولائهم لقناعاته الوحدوية. 

 

عاش هادي عقد ونصف نائبا للرئيس ولم يمثل إلا نفسه، حتى الطواقم التي كانت تعمل معه معظمها ليست من أبين، ولم يكن الضالعي والردفاني واليافعي يشعر بأي فوارق في المعاملة من قبله، كما لم يجبر أحدًا أن يكون وحدويا خالصا.

 

جاءت له السلطة في العام ٢٠١١م دون أن يبذل أي جهد يذكر نحوها، ولم يدخل قصر الرئاسة في صنعاء كممثل للجنوب، كان مؤتمريا وحدويا حتى النخاع، وتلك قناعاته لكنه لم يفكر بأن يلعب بورقة الجنوب كحال من تلوه، ومع ذلك ظل في نظرنا خائن وعميل.

 

للرجل تجربة طويلة ومريرة مع الصراعات الجنوبية ولذلك كان أكثر إدراكًا لمغبة ما صرنا إليه اليوم، وهذا الأمر يؤكد أن هادي لم يكن خائنا لجنوبيته، بل كان خائفا ووجلا مما سبق وشاهده، وكان ذلك خافيا علينا كجيل فتح أعيونه على خطابات وشعارات تخفي خلفها صراع أسود على السلطة.

 

كان أمام هادي خياران لا ثالث لهما أما أن يذهب مع الشعارات ويخون تجربته المريرة، ويقفز بأقدام انتهازية على ما قدمه له الشمال كلاجئ يتهدده خنجر الرفاق، ويتربص عنقه، أو أن يبقى وفيا للأيادي التي امتدت إليه منذ خروج من الجنوب في ١٩٨٦م وحتى تسليمه السلطة عام ٢٠١٢م 

 

عام مضى على تسليم هادي السلطة وما يزال في مقر إقامته في الرياض يراقب المشهد بصمت الفاهم لما ستؤول إليه الأوضاع، ولقد كان بإمكانه أن ينتقم، ويدخل ملعب الشعارات ويؤسس حزبا ينادي بالجنوب كما فعل أسلافه، لكنه لم يفعل، وهذا أنصع الأدلة على أن الرجل لم ينشئ في بيئة انتقامية.

 

نتذكر اليوم هادي الذي ظلمناه، وشنعنا عليه، ووصفناه بأقذع الالفاظ، لكنه لم ينتقم من أحد، ولم يسجن أحد ولم يقصي أحد، لم يحرم أحد من وظيفته ومصدر عيشه.

 

عذرا عبد ربه منصور هادي فقد كانت على أعيينا غشاوة الشعارات، وقد حالت دون أن نعرف جوهرك أو نلمس مخاوفك.