عبدالله الحضرمي.. انطفاء شمعة الصحافة الإلكترونية اليمنية والعربية

جميعنا شمعات بشرية تنطفئ حينما يداهمها المرض، قبل التسلل إلى كل أعضائنا ثم خطف أرواحنا، واضعا وبدون ضجيج نهاية مشوار الحياة كما هي من حيث بدأت بيد خالقها.. هكذا يرحل الكبار الأعزاء كالأخ الزميل والأستاذ عبدالله هاشم الحضرمي، مثل شمعة أخرى تقاد روحه إلى السماء وقد ترك في حياتنا بصمة مضيئة إلى حين ميعاد رحلينا. خطف الموت الحضرمي الثلاثاء 24 أكتوبر في قاهرة المعز، وهكذا فجأة علمت بمماته بعد انقطاع طويل وغياب سنين عن أخباره وأحواله لأكثر من 10 أعوام..  الأستاذ عبدالله الحضرمي، رحمه الله، أحد رواد الصحافة الإلكترونية في اليمن وأهم المؤسسين لها، وهو من أبناء محافظة إب.. تشرفت بمعرفته مع بدايات العام 2004، حينما كان يتولى رئاسة تحرير موقع المؤتمرنت، ثاني موقع إلكتروني يمني، بعد المؤسس الصحوة نت.. يحسب له سبق اليمن في ريادة ونشأة هذا الفضاء الإعلامي الجديد على مستوى الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. ما يزال لقائي الأول به عالقاً في ذهني.. استدعاني إلى مكتبه في المبنى الكبير المقابل لمبنى صحيفة "يمن تايمز" عند جولة (حدة - المصباحي)، وعلى الفور طلب مني كتابة تقرير ثم خبر، بعدها قال أريدك تعمل لدى الموقع، يهمني الفوز بالسبق الصحفي، ابن الوز عوّام.  لم يجعلني حتى أجيب وكأنه أدرك ما يراودني، قال لا تقلق لن أعارض عملك في صحيفة "الأيام" وأي وسائل إعلامية أخرى.. وأضاف وسيكون المردود المادي أفضل، وأزال أيضاً توجسي من تداخل السياسة الحزبية للمؤتمر الشعبي العام وطغيانها على النهج المهني، لكنه سارع لطمأنتي، مشددا بأن الخط التحريري مفتوح وواسع دون قيود، يميزه الاستثناء للمعلومة وصحتها وقوة المصدر، علاوة على منح الثقة وإثبات قدراتي الصحفية ومدها بالتطوير والتشجيع المستمر.   أدار الحضرمي، طيب الله ثراه، "المؤتمرنت" باحترافية عالية، حتى أصبح الموقع وخلال فترة وجيزة المصدر الإخباري الاول لوكالات الأنباء الدولية وكبريات الصحف العربية والمحلية لسنوات طوال، برغم اعتباره ناطقاً رسمياً للحزب الحاكم آنذاك، وكان لا يمر يوم إلا وجملة من الأخبار والتقارير أخذت وتنسب إليه في معظم الأوقات.  أتاح لي الحضرمي الفرصة للعمل معه في هذا المجال الصحفي الذي بدأ يزدهر، وكلفني مراسلاً حراً ومتحركاً في جلب الخبر بكل أنواعه وباختلاف معلوماته ودقتها أينما توفر سواء من مركز إقامتي في صنعاء أو من عدن مسقط رأسي، وعموم محافظات البلاد.  عهد الحضرمي العمل الصحفي الراقي والمهني بانفتاح كبير، موجهاً على أهمية التطوير والظهور بقوالب تحريرية جديدة لامستها كفصل آخر انبثق في مشواري المهني الذي لم يدم عليه وقتها سوى خمسة أعوام.  سنوات معدودات عملت مع الحضرمي كواحد من طاقم التحرير غير المنتسب أو المنضوي في عضوية المؤتمر الشعبي العام في "المؤتمرنت" وصحيفة "22 مايو". يشعرك الرجل بأنه أخ، فدوماً يبادر بالسؤال عليك وعن صحتك، موجهاً بتلك الكلمتين الرائعتين "يا زعامة، الخبر أين السبق والعاجل"، وسط قهقهات وقليل من العرعرررة. ظل الحضرمي صاحب ابتسامة فريدة لا تغيب عنه مطلقاً، بل مهما بلغت الظروف قساوة فإنه لا يظهرها ولا يشعرك بأزماته، وعلى العكس تستمر روح الفكاهة والدعابة بسيطة وعفوية وبأخلاقه الكبيرة يحيطك.  مثّل رحيل الحضرمي عن عمر يناهز 55 عاما فاجعة وخسارة فادحة على الوسط الإعلامي. أصبح الموت يطارد كل اليمنيين في الداخل والخارج، حيث تسع سنوات من الحرب لم ترحم لا صغيراً ولا كبيراً، تقبض يومياً أرواح الأحباب والأصدقاء وكل الأشخاص نتيجة مرارة تداعياتها وألم معاناتها، وفي ساحة القتال.  أحر التعازي والمواساة إلى أسرة الأستاذ الحضرمي أولاده وأشقائه ومحبيه وجميع زملاء الحرف.. إنا لله وإنا إليه راجعون.