يروي لي صديقي همدان العليي @hamdan_alaly تفاصيل أمسيةٍ أقيمت على حافة الرماد في منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -رحمه الله- في حي الحصبة. كان الزمن حينها ينزف حربًا، حربٌ سادسة في صعدة وحرف سفيان، والأرض تصرخ تحت وقع الحديد والنار.
كانت الدعوة من حسين الأحمر، الذي وقف يومها يحاول إطفاء حريقٍ بنَفَس الحيرة. كان يرفع راية "السلام الموعود"، يجمع القوم من شتى الأطياف: محمد عبدالملك المتوكل، حسن زيد، هاشم الأحمر، إعلاميون، ووجوه ناعمة باسم "المجتمع المدني".
قال بحزمٍ ملغوم:
"الحرب ظالمة، وأهالي صعدة يُسحقون تحت عجلاتها. يجب الضغط على الرئيس علي عبدالله صالح لإيقاف هذه المهزلة."
بدا المشهد كما لو أنه مأخوذ من كواليس مسرحية يُكتب ختامها دون أن يدرك الجمهور أن الستار سيُسدل على وهم كبير.
الجلسة تتقاذفها المداخلات:
أصوات ترتدي عباءة السلام، وأخرى تشترط "شروط الدولة الستة" كحائط لا بد أن يُرمم قبل رفع الرايات: الانسحاب من صعدة، إزالة الحواجز، تحرير المخطوفين، إعادة السلاح، تسليم المتهمين، ووقف التدخل في شؤون السلطة المحلية.
في زحمة هذا الحراك الرمادي، كان "همدان" يرى الحقيقة تتسلل من تحت الطاولات.
قال لهم بوضوح يثير حرج اليائسين:
"إن الحديث عن إيقاف جهود مواجهة التمرد الحوثي دون تنفيذ تلك الشروط هو استدعاء صريح لحربٍ أعتى وأشرس. فالحوثيون ليسوا حركة حقوقية جاءت تبحث عن العدالة، بل مشروع سلالي غارق في عنصرية موغلة، تُغذيه إيران بحنكة صانع الفتن، ويمتد في الظل كالأفعى حتى يُطبق على كل ما حوله."
لكن الأصوات التي حملت مشاعر السلام الزائف، لم تكن ترى أبعد من أقدامها.
كانوا يرمونهم بتهم سهلة كحجارة طائشة:
"أنتم تجار حرب، قتلة، صناع خراب!"
تجاهلوا أصوات العقل. تجاهلوا نُذر المعارك القادمة.
ثم أتى يوم الإغواء الماهر:
30 يناير 2010.
خرج عبدالملك الخوثي عبر تسجيل صوتي، يتلو على الناس مسرحية الوعود:
"نقبل بالشروط، ولكن بعد إيقاف ما أسماه العدوان" .. أغلقت الحكومة الملف، أوقفت المعارك، وتركت النار تستعر تحت الرماد.
ظنّ دعاة السلام يومها أنهم أطفأوا الحرب، لكنهم لم يعلموا أنهم أوقفوها لتشتعل بوجههم لاحقًا.
الزمن لا يرحم الغافلين.
فتلك النيران قد تمددت من صعدة إلى عمران، حتى فجّر #الخوثيون بيت حسين الأحمر نفسه، لتصل أقدامهم جنوبًا، إلى عدن، تاركة خلفها بلدًا ممزقًا كالخريطة التي مزقها الزمن.
أكثر من 800 ألف قتيل.
ملايين الجرحى.
منازل تنوء بركامها، وأمهات يُمسكن صور أبنائهن بأيدٍ مرتعشة.
هل من مُدّكِر؟
أن السلام الذي لا يُبنى على قوة العدالة، إنما هو خدعة؟ وأن اليد التي تُصافح النار ستُحرق في النهاية؟
اليمن اليوم، كمن يقف أمام مرآة مهشمة، يُعيد النظر في ملامحه المُرهقة.
الحرب ليست خيارًا، ولكن ترك الحق مغلوبًا هو طريقٌ للخراب.
إما حسمٌ يعيد للزمن عدالته، أو تاريخ يعيد نفسه مرارًا .. بشراسة أكثر.
بقلم: #سام الغباري