الجنوب ليس على مقاس أحد

حين يصرخ العقلاء، فذلك لأن الصمت لم يعد حكيمًا.

العميد الصحفي علي منصور مقراط لم يكن يومًا باحثًا عن ضوء أو متسلقًا على أزمات، بل كان دائمًا صوتًا وطنيًا نزيهًا، يضع إصبعه على الجرح دون مواربة أو تزييف.

تحذيره الأخير من اللعب بالنار في حضرموت، ومن محاولات فرض واقع بقوة السلاح في كبرى محافظات الجنوب، هو رسالة يجب أن تُقرأ جيدًا، لا أن تُمر مرور الكرام.

 

فما يجري اليوم من تقسيم، وتأجيج للفتن، وتوسيع للفجوات بين أبناء الجنوب، ليس مشروع دولة ولا مشروع تحرير، بل طريق معبد نحو التفكك والانهيار.

المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي احتكر تمثيل الجنوب زورًا، فشل في تقديم نموذج شراكة حقيقية، وعجز عن إعادة الثقة بين الجنوبيين. قراراته أحادية، حواراته مع نفسه، ومجالسه التي تُولد ميتة تُمثل تيارًا واحدًا وتقصي بقية المكونات.

المجتمع في أبين وشبوة وحضرموت والمهرة، وحتى عدن ولحج والصبيحة وردفان ويافع، بات يشعر بأنه خارج المعادلة… لا صوت له، ولا نصيب في عدالة توزيع السلطة والثروة.

وهذا الظلم هو البذرة الأولى لكل انفجار قادم.

ما دعا إليه مقراط من ضرورة حوار حقيقي، لا شكلي، ومن ضرورة تنازل المسيطر، هو آخر ما يمكن أن يُنقذ ما تبقى من أمل. أما ترحيل الأزمات، والاكتفاء بالشعارات، فسيقودنا جميعًا إلى النفق المظلم الذي حذّر منه.

الجنوب ليس مزرعة لأحد، ولن يُختصر في مليشيا أو راية أو مجلس مفروض بقوة الدعم الخارجي.

 

إن لم يصحُ الصامتون الآن، فقد لا يُتاح لهم لاحقًا إلا الصراخ من تحت الركام.

والحليم تكفيه الإشارة

 

اللواء الركن : سعيد الحريري