رجل الماء
في وادي دوعن حيث تنساب مياه الجبال كأنها تهمس للحياة، وُلد محمد أحمد بارشيد عام 1969، ابن حضرموت الذي درس حتى الصف السادس وهو يجيد القراءة والكتابة، ابن الأرض التي لا تُنبت إلا الصابرين ذوي العزم والإرادة. لم تكن في حياته رفاهية ولا ضعف ولا عجز ولا استسلام بل هي حياة كفاح وشرف من أجل العيش الكريم. منذ عشر سنوات يقف محمد في منصة العروض لبيع الماء لا يملك سوى عربة صغيرة ويدين متعبتين وقلبٍ كبير يسقي الناس كما يسقي أبناءه الأمل . في كل قارورة ماء يبيعها يسكب جزءاً من عمره وقطرة من حلمه وندى يسقي به حلم أبنائه. وراء هذا الرجل تقف حكاية أسرة تنمو في ظلّ كفاحه فابنه الأكبر يدرس إدارة الأعمال في جامعة حضرموت وحلمه أن يُدير شركةً يوماً ما ربما كانت شركة ماء أو شركة أخرى تحمل اسم والده تخليداً لما قدّمه من كفاح. وبنته تدرس نظم المعلومات فهي تُبحر في عالم التقنية بينما والدها يُبحر في محيط منصة العروض المطل على شارع الستين في مدينة المكلا بحثاً عن رزقٍٍ شريف. والثالث لا يزال في الصف الثالث الثانوي يحمل كتباً أثقل من عمره لكنه يعرف أن والده ينتظر منه أن يكون امتداداً لهذا النضال. أما زوجته فهي شريكة نجاحه وعموده الذي يستند عليه فهي سيدة داره وإن كان بالإيجار لكنه بيتٌ يسكنه الحب والسعادة والاحترام والرضا. محمد لا يملك بيتًا ولا راتباً شهرياً لكنه يملك ما لا يُشترى ، يملك العزيمة والكرامة والإرادة والإصرار .. إنه مدرسة في الكفاح والتغلب على ظروف العيش مهما كانت الصعاب. هو ليس مجرد بائع ماء بل هو بحر من العطاء و نهر عذب من الطيب والكرم يعطي ولا يمنع من سأله وهو جسر من الصبر والتحمل وجبل من الصمود وسحابةٌ تمطر على أرضٍ قاحلة فخيره لا يتوقف وجهده لاينبض وكفاحه مستمر. في حضرموت لا تُقاس الرجولة بالمال بل تُقاس بالثبات والصمود والعمل والإصرار. وما محمد أحمد بارشيد إلا واحد من الرجال الذين يبحرون في بحار الكرامة و الإباء فهو رجلٌ ثابت لا تهزه الرياح ولا يغريه السراب.