وجع الانتماء ووطن في حقيبة
مرّت عشر سنوات، واليمني ينهض كل صباح على وجع جديد: وجع البحث عن الخبز والكرامة،وجع الخوف من الغد،وجع السؤال: إلى أين المصير؟ صار المواطن اليمني يجر خلفه حقيبة أثقل من وطنه الجريح؛حقيبة لا تحمل الملابس بقدر ما تحمل الذكريات من ألم وحزن: صورة بيت تهدّم، ووجوه أحبة غابت في غبار الحرب. من صعدة إلى تعز ،ومن صنعاء إلى عدن ،ومن المكلا حتى المهرة،يهاجر اليمني قسرًا، لا طمعًا في الغربة،بل هربًا من وطن لم يعد يحتمل صوته، واسمه، وانتماءه. لم يكن يبحث عن ثراء أو مجد، بل عن أمان بسيط، عن سماء بلا دخان، وليل ينام فيه أطفاله بلا قذائف، وأرض يسكنها ويأمن فيها،ويبني مشروعًا صغيرًا كمصدر رزق لأسرته، لقد صار المواطن اليمني ضحية الانتماء:إن انتمى قُتل، وإن صمت اتُّهم، وإن تحدّث اعتُقل. صار الشهداء والأسرى والجرحى أرقامًا في نشرات الأخبار،بينما الجرح الحقيقي يسكن في قلب كل أم فقدت ابنها،وكل طفل ينتظر والده على أعتاب الغياب، السياسة، التي كان يُفترض أن تكون وسيلة للعدل،تحوّلت إلى سيف يقطع أوصال الوطن. حوّل الحوثي الحياة السياسية والاجتماعية إلى رماد،وأحال الاقتصاد اليمني إلى سراب، يبحث فيه المواطن عن أمل، لقد سرقوا من اليمني فرحته، واغتالوا ملامح الحياة فيها، حتى صار يتجوّل بين المحافظات بحثًا عن وطن يأمن فيه،يمارس فيه حق المواطنة. اليوم، يعيش اليمني غربة مزدوجة:غربة الجسد خارج الوطن،وغربة الروح داخله. ألم يقطع أحشاءه،والعيش أمله وطموحه، ومع ذلك، ما زال يحمل في قلبه إصرارًا عنيدًاعلى أن يعود يومًا،لاجئًا إلى دفء أرضه،باحثًا عن حقه في الحياة، والعلم، والصحة، والكرامة، والعيش الكريم. يا يمن،كم يشبهك أبناؤك في صبرك!يُعانون، لكنهم لا يفقدون الأمل،يُشرَّدون، لكنهم لا يتخلّون عن حبك،يُكسرون، لكنهم ما زالوا يؤمنون أن الفجر سيأتي، وأنك ستنهضين كما تنهض (العنقاء) من بين الرماد، وينهض الأحفاد من تراث الأجداد،لنا مجد لن ننساه،ولنا أمل بالله لن يخيب.