حقول الموت

تعتبر زراعة الألغام في العالم من المشكلات الجوهرية الخطيرة التي خلفتها الحروب والمعارك الحديثة، لا سيما المناطق الواقعة بين الحدود؛ مما يترب عليه أضرار جسيمة تؤثر على البيئة بشكل عام وعلى الإنسان بشكل خاص. فالمجتمع الدولي وفقاً للالتزامات الدولية المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني وللاتفاقيات الدولية المتعلقة بالألغام الأرضية وبخاصة اتفاقية أوتاوا في كندا العام 1977 م التي أصبحت نافذة المفعول في العام 1999م بحظر ومنع كافة أشكال الألغام لخطورتها على الجنس البشري والتي غالباً ما تسبب إما الموت أو الإعاقة الدائمة بسبب بتر الأطراف.

برغم كل هذا المنع والحظر لاستخدامها نجد الخسة والدناءة من بعض الدول المصنعة للأسلحة تمولها للدول ذات النزاع المسلح ولا سيما تلك الدول التي تكثر فيها الحروب الأهلية، ومن المعروف أن الحروب الأهلية أكثر عنفاً وضراوة، فبطبيعتها تؤثر بشكلٍ جلي على الحياة المدنية من تهجير وقتل وعنف، وكما هي الحال في سورية واليمن وليبيا وغيرها من بلدان تكثر فيها ألغام الدمار أو بصحيح العبارة حقول الموت.

فبعد أن تضع الحروب أوزارها تعاني الشعوب في المناطق المدنية والقروية معاناة بالغة التأثير تستمر لسنين ولربما لعقود مضنية من نزع الألغام سواء الأرضية أو البحرية والتي غالباً تكثر في المناطق الزراعية والساحلية. فخذ مثالاً، ففي مصر وحدها مازالت تعاني من تبعات ومخلفات الحرب العالمية الثانية والمنتهية العام 1945م من آثار الألغام خاصة في منطقة العلمين التي حدثت في أرضها أشرس المعارك بين بريطانيا وألمانيا النازية، برغم أن مصر لا شأن لها في هذه الحرب لا من بعيد ولا من قريب!

والأمر المستغرب في وقتنا الراهن أن الميليشيات الانقلابية الحوثية المجرمة تمكنت وفي فترة وجيزة من زرع أكثر من (مليون) لغم في مناطق متفرقة في اليمن مأهولة بالسكان المدنيين والتي راح ضحيتها من أطفال ونساء وشيوخ لا ذنب لهم في هذه المعارك، لكن الإجرام الحوثي لا يفرق في هذا الشأن؛ لأن الإنسانية معدومة لديه، جل همه تتبع أوامر الشيطان الأكبر (خامنئي) رأس الأفعى. فقد وظف الأطفال لزراعة الألغام مقابل مبالغ زهيدة؛ لهو الخطر الإنساني الذي يعكس أضراراً سلبية على شخصية الطفل مما يتكون لديه نزعة عدوانية يصعب علاجها، حينها يكون مستقبل اليمن في ضياع بسبب قتل الطفولة معنوياً ومادياً.

وبعد عمل شاق استمر عدة شهور تمكنت الأيادي البيضاء القائمة على المشروع السعودي الإنساني والذي أطلق عليه فيما بعد بـ (مسام) من نزع الكثير من الألغام وعلاج الكثير من المتضررين، قاطعةً هذا الشوط من أجل مستقبل يمنٍ سعيد خالٍ من العصابات غير الإنسانية وغير الوطنية.