حاول الهروب من قلقه بمشاهدة القنوات الفضائية والاستماع الى أخبار الحروب والاحداث المؤسفة التي تفتك بالناس في كل البلاد العربية بنِسَب متفاوتة فاذا به يزداد قلقا واكتأبا،
اغلق التلفاز فأخذ كتاب (العرب والخروج من التاريخ) لانيس منصور محاولا قراءته ولكنه سرعان ما شعر بانطفأ الرغبة بالقراءة فسقط الكتاب من يده بدون شعوره.
حاول مغازلة النوم لعله يشفيه مما ينتابه من ضيق وقلق فاغمض عينية محاولا استعطافها لكي تنام ولكنه بأت محاولته بالفشل وأدارك أن النوم ليس مجرد تغميض العينين بل هو غيبوبة الأنا الواعية وإسدال الستار عن العقل الى حين! نعم هو العقل الذي يؤرقه وليس الجفون فكيف له باغلاقه؟! إذ ليس ثمة وسيلة ممكنه لتنويم عقل مستيقظ في ثقافة تحرم الكحول الذي يسكر العقل!.
نهض من سريره فتوضأ وصلى لعله ينسى قلقه لاسيما وأنه غريب الدار والأهل والوطن وليس لديه من يؤنسه في وحدته الغريبة لا حسيس ولا أنيس ممن يحبهم قلبه. والمرأة في الغربة وطن!.
فتح جهاز الالبتوب ونقر أيقونة word هو يشعر برغبة جامحة بالكتابة ولكنه لم يكن يعلم عن ماذا سيكتب؟! عن المليشيات الطائفية الصاعدة من غياهب التاريخ عن العنف والتطرف والإرهاب الذي يفتك بالمجتمعات العربية؟ أم عن الحرب والعواصف والتدمير والضحايا في اليمن والشام والعراق؟ أم عن ملايين المغتربين الذين فرضت عليهم الجزية في بلاد الحرميين؟ أم عن الجريمة المنظمة والحرمان والفقر وانعدام الخدمات في مدينة التي تحررت كما يقال منذ أربعة أعوام؟! أم عن خراب التعليم والتربية والجامعات ؟! أم عن أي الخيبات التي تحاصر الشعوب العربية من مختلف الجهات؟! عن فلسطين العربية المحتلة من الصهيونية التي لم تعد من الاولويات بالنسبة للمواطنيين العرب الذين تكفلت حكوماتهم بإعادتهم الى اللحظة البيولوجية في هرم الحاجات؛ لحظة البحث عن سد الرمق والبحث عن ملاذات أمنة؟! أحس بان مزاجه لا يقوى على التفكير والكتابة في هذه الدوامة المثيرة للإحباط والقرف.
فكتب خاطرة شعرية كيفما اتفق دون الاهتمام بالصرف والنحو والعروض والتفعيلة والموسيقى الداخلية! قال فيها كلما كان يشعر به من طاقة انفعالية ونام بعدها ولكن بلا احلأم سعيدة! وهكذا هو الحال في أزمنة الضيق والمحنة تبقى الثقافة والكتابة هي حليتنا الوحيدة لتأكيد حضورنا الحي في عالم يشعرنا كل لحظة بانه ليس عالمنا وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ! واليأس هو ركلة القدم القاصمة التي نوجهها للبؤس! وكلما توغلنا في الليل اقتربنا من الفجر! هل هناك فجر ينتظرنا؟! نعم ونحن الذين سنقوم بنسج ملامحه المشرقة بعقولنا وقلوبنا المفعمة بالرغبة بالسلام والأمل!