بمجرد أن تمر بسوق مدينة الشحر العام وفي أحد أزقة شوارعه جهة الشمال يلفت ناظريك مبنى يكاد يكون مربع الشكل تعلو سطحه بعض القباب وهي ذات دلالة لدى المسلمين منذ العصر الأموي وتوحي للناظر إليها منذ الوهلة الأولى أنها تحوي أمراً مقدّساً له علاقة بدينهم
ضريح الشهداء السبعة هكذا كُتِب اعلى مدخله في لوحة خشبية حيث يقع ذلك الضريح في حارة السبعة التي نُسبت تسميتها إليهم لما لهم من الأثر الكبير في قلوب ابناء المنطقة عمومًا ، هكذا هي مدينة الشحر تخلّد من دافع عنها أو قدّم لأجلها ولو الشيء اليسير فغالب احياء ومدارس وحتى شوارع المدينة قد تسمّت باسماء شخصيات دينية واجتماعية وثقافية قدّمت للمدينة الكثير ..
وبالعودة الى ضريح شهدائنا نجد انه يضم جثامين ستة رجال بذلوا نفوسهم لله من أجل عقديتهم اولًا و وطنهم آخرًا وسابعهم قد قُبِر بجانب ضريح أبيه الشيخ عبدالله بلحاج بافضل وهي قبّة اشتهرت بإسم (قبة بلحاج)
في ثمانينات القرن الماضي كانت تقام احتفالية كبيرة لمدة ثلاثه ايام تسمىٰ بـ(زيارة السبعة ) غير انها أُلغيت لأسباب لم يفصح عنها .
ولم يبقَ مايربط أجيال اليوم بهؤلاء الجهابذة غير خروج الاطفال في خامس ايام العيد في ساحة بجانب الضريح بأجواء فرائحية عيدية مع سوق تجاري لايتصل بمضمون إقامتها بجانب هذا الضريح وإن سُميت بإسمه فالغالبية تجهل سبب انتقال هذا التجمع إلى هذا المكان بعد ان كان طيلة الأيام الأولى للعيد في الساحة العامة بالسوق متقبلين الأمر على انه عادة لايعرف سببها إلا القليل ..
وكم كان الشاعر موفقًا في قوله :
مثلُ القوم نسوا تاريخهم
كلقيط عيَّ في الحيّ انتسابا
أو كمغلوب على ذاكرةِ
يشتكي من صلة الماضي اقتصابا
ومن جانب آخر ونراه الأهم في اندثار هذا التاريخ العريق أن السلطات متمثلة بمكتب الثقافة لم تعمد إلى الإهتمام بمثل هذه الأمكنة ولم تلتفت حتى إليها لتنقض عنها -ولو- الغبار سواء كان حسًا أو معنى من خلال إظهار تاريخهم العظيم الذي حق أن يكتب بماء العيون على صفحات القلوب .
مبنىٰ ((ضريح الشهداء السبعة))على مافيه من نداوة تعلوه ودابة الارض تاكل من ابوابه ونوافذه نجد انه قد احتوت جدرانه على رسومات توضيحية تعبّر عن مابذله أولئك الابطال من تضحيات جسيمة رُسمت في يوم من الايام لتكون رمزاً محفزاً على التذكير بهم لكل من زار المبنى لكن أين الزائرون ؟!
وبتجوالنا داخل المبنى يتضح لنا عيانًا ضريح طويل تتقطعه مايسمى بالشواهد تدل دلالة واضحة على تعدد المدفونين فيه.
وكان من قصة هؤلاء أن البرتغاليين غزوا مدينة الشحر بتاريخ10رببع ثاني 929هجرية
فاجتمع الامير مطران نائب السلطان بدر ابي طويرق بهؤلاء السبعة كونهم وجهاء وعلماء المدينة وتدارس الموقف معهم فاتفقوا على مواجهة الغزو بكل ماأوتوا من قوة وأعلنوا الجهاد في الناس وشكلوا مقاومة في حارات البلاد يقودها هولاء السبعة وهم:
الامير مطران بن منصور نائب سلطان الشحر
الفقيه العلامة الشيخ يعقوب بن صالح الحريضي مدير مدرسة باهارون
الفقيه الشيخ احمد بن عبدالله بالحاج بافضل مدير مدرسة بافضل
الشيخ سالم بن صالح باعوين تاجر
الشيخ حسين بن عبدالله العيدروس تاجر
الشيخ احمد بن رضوان بافضل تاجر
الفقيه الشيخ فضل بن رضوان بافضل مدير مدرسة بابهير
واستمرت المعركة ثلاثه ايام وأسفرت عن طرد المستعمرين وانتصار الاهالي عليهم
ولقد بلغ عدد الشهداء (927)لكن لم يخلد التاريخ إلاهؤلاء السبعة
وفي ظني أن آخر من كتب عنهم المؤرخ القدير محمد عبدالقادر بامطرف رحمه الله في كتاب اسماه (الشهداء السبعة ) لكن اشارت قبله لهذه الحادثة مراجع تاريخية ومؤلفوها ممن عاصر المرحلة أو قَرُب عهدهم بها ككتاب: الربان باسباع (وتاريخ النور السافر )(وتاريخ الشحر)وهذان الاخيران متداولان في مراجع التاريخ
والغريب العجيب هو تشكيك المشككين اليوم بزعمهم عدم وقوع المعركة اصلاً متجاهلين التاريخ ومايكتب في مراجعه
واخيرًا من جملة مايقام لهذا الضريح في الآونة الأخيرة بشكلٍ سنوي زيارة في ليلة 27 رجب والتي تصادف الإحتفال بذكرى الإسراء والمعراج فتخرج الجموع الغفيرة من جامع الشحر الكبير بعد الانتهاء من قراءة قصة المعراج بعد صلاة العشاء بالزفوف والأهازيج الدينية يتقدمها العلماء والدعاة لغاية الضريح للدعاء لهم وقراءة الفاتحة وبمثل هذا يقام كذلك في شهر ربيع الثاني بعد قراءة السيرة النبوية أو مايسمى بالمولد بمسجد باقرين والذي يقع على مقربة من هذا الضريح.
فحق لحضرموت بل لليمن عامة أن تفتخر بهذا التاريخ الذي يعتبر سلسلة من سلاسل جهاد المسلمين ضد الغزاة المحتلين ومن الواجب تعريف الاجيال بما قدمه أسلافهم من انتصارات بندوات ثقافية وزيارات استطلاعية وبحوث علمية تسفر عن هذا التاريخ المشرف