من آخر الأحزان
يأتي الموت
في ليل الفجيعة
صامتا متسللا
لا خوف يحمله
ولا وجع الممات
يأتي ويمضي
خلسة فينا
وفي أحبابنا
والكائنات
من خارج المعنى
ومن كل الجهات
البارحة صدمت بخبر رحيل صديقين عزيزي هما الزميل الدكتور حامد بافقيه رئيس قسم الأثار بكلية الآداب جامعة عدن الف رحمة ونور تَغْشَاه ولا حول ولا قوة الا بالله. والأخ العزيز الاستاذ التربوي والناسط حسين النسري من محافظة أبين. رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته.
وانّا اقرأ هذا الخبر الصادم داهمتني فكرة ماذا يبقى بيننا وبين الأشخاص الذين عرفناهم ذات يوم في زحمة الحياة بعد أن يتوفاهم الله؟! ماذا بوسع الحي فعله تجاه من عرفهم حينما يموتون؟! سؤال حارق بطعم الحزن والألم. وليس لدى الحزين بفقد شخص صديق وعزيز الا خيار واحد ووحيد يتمثل بقول بعض الكلمات الآخيرة في وداعه لنقطع التواصل الى الأبد. كم هو الموت موحش حينما تتأمل في معناه بوصف غيابا دائما لمن تحبهم؟!
قبل أيام تواصل معي الزميل حامد بافقيه على الخاص وأخبرني بإنه وزوجته وابن اخوها تعرضوا لحادث مروري مؤسف إذ كتب لي " دعواتك عملت حادث بالسيارة انقلبت" حملت الله على سلامته ودعوت لها بالشفاء والعافية وطمئني بأن اصابتهم طفيفة ولم أكن أتوقع هذا الخبر الصادم أبدا. انه القضاء والقدر الذي ليس منه مفر، ولكل آجل كتاب وتتعد الأسباب والموت واحد! أنا لله وأنا اليه راجعون. كم حزين لفقدك ياصديق وزميلي العزيز ، عرفت الدكتور حامد بافقيه منذ سنوات مضت وهو من أسرة حضرمية كريمة، منها المؤرخ المخضرم محمد عبدالقادر بافقيه مؤلف تاريخ اليمن القديم. كان الرحل مثالا للزميل المهني المدني الراقي في السلوك والتعامل مع زملاءه وزميلاته. هادى ودود متزن وحليم الابتسامة لا تفارق محياه، جمعتنا أيام طيبة في النيابة الأكاديمية للكلية، كان معظم الأيام يأتني الى مكتبي للسلام والتحية وتبادل الرأي في شؤون قسم الأثار ومشروع تطويره وبعض قضايا الشأن العام لاسيما في مدينتا الحبيبة عدن التي أحبها أكثر من المكلا وأنا أحببتها أكثر من جميع الامكنة التي عرفتها، عدن الجريحة التي طال مصابها وزادت الطعنات الغادرة بظهرها، كانت هي دائما خاتمة كل حديث مع الراحل العزيز الدكتور حامد بافقيه الذي كان يختم كلامه بهذا السؤال الحارق : تعبنا والى متى يستمر هذا الخراب؟! ثم يبتسم ويمضي الى حال سبيله مررددا كلمته الأثيرة باي باي! ذات يوم قالي لي : يادكتور أنا بطلت القات وكرهت السياسية مافيش فايدة مع هؤلاء الاغبياء الجهلة .. كان حينها منفعلا... قال تصور يا دكتور يأتي طالب لم يحضر يوما واحدا للدراسة ويجيب لك ورقة من شخص يقول أنه قيادي في المقاومة يريدك تعفيه من الامتحانات وتعطية درجة نجاح حق المقاومة! ومد لي ورقة لطالب من هذا النوع ! مكتوبة بخط رديء ومختوم بختم معسكر ابو فلان! ورقة تأكيد بان الطالب يعمل لديهم وطلب بمنحه درجات نجاح دون دراسة ولا امتحانات! وكم وكم هم القادة والقواويد والاواغاد مثل هذا النوع في عدن اليوم يتناسلون كالعقارب! فضلا عن هلافيت الشرعية اليمنية القابضين على مفاصل المؤسسات الحيوية في المدينة؟! أخذت منه الورقة ووضعت يدي على رأسي أيعقل هذا يحصل في جامعة عدن؟! قلت له وين الطالب العسكري: قال: أجاء الصبح بزي المقاومة وبطقم عسكري ومعه مجموعة عسكر وأعطاني هذه الورقة وذهب وهو واثق من نفسه ورافع رأسة قالها بامتعاض شديد! وأضاف يا دكتور أنا بصراحة مدني وأكاديمي مسالم مش عارف كيف اتعامل مع هذه الأشكال الجديدة؟! قلت له: دع الورقة عندي وحينما يأتي العسكري أرسله الى عندي وانّا أحل المشكلة.
كان المرحوم دائم الشكوى والتذمر مما يحصل في عدن بعد تحريرها المزعوم!
ولكنه لم يكن يبوح بمشاعره الا لمن يثق بهم. صادم خبر رحيلك يا حامد ولكن الموت حق ولا مرد لقضاء الله وقده اسأل الله تعالى أن يتغمدك بواسع رحمته وفسيح جناته ويلهم أهلك وذويك وطلابك ومحبيك الصبر والسلوان.
وكما صدمت بموت حامد بافقيه صدمت كذلك برحيل الأخ الأستاذ حسين النسري، الف رحمة ونور تَغْشَاه، هو صديق فاعل في الفيس بوك وقبل عام زارني الى مكتبي في كلية الأداب: قال لي أتيت اهنئك بمناسبة تسنمك النيابة الأكاديمية بالكلية وأسألك عن إمكانية استكمال دراستي الماجستير في قسم الجغرافيا التي انقطعت عنها بسبب الحرب وظروف قاهرة، رحبت به وأخذته في طوفه سريعة للمكتبة واعراته بعض الكتب الذي كان يحتاجها وظلينا على تواصل اعتيادي في الفضاء العام، فإذا بخبر وفاته البارحة يقع علي كالصاعقة! لا حول ولا قوة الا بالله رحمك الله استاذ حسين النسري والهم أهلك وذويك الصبر والسلوان.
وهكذا هي الدنيا الأمل طول والآجل عرض!
لروحيكما السلام والطمئنينة حامد وحسين وأنا لله وانّا اليه راجعون.