لقد أضيفت إلى ثقافتي بدعة جديدة ، أرجو من الله أن تكون بدعة حسنة إذ أصبحت كلما ضاقت بي الحياة في حاضرة بحر العرب ، وتراكمت علي الهموم ، كالتفكير في حاضر الوطن والنظر في مستقبله فضلا عن معاناة المواطن وماينتظره .... هربت إلى حاضرة الشمايتين لعلي أجد فيها أخدودا يتسع لدفن همومي وحط رحال أفكاري ... قد يسأل سائل ، ولماذا لايكون ذلك إلا في تلك الحاضرة ؟ أقول له : لقد كانت الشمايتين ذات يوم محط رحالي ومدفن همومي ومعاناتي الكبرى ، وفي الوقت نفسه كانت مبعثا للأمل وبصيصا من شعاع الضوء الذي يبشر بقرب الانتهاء من ظلمة النفق ؛ لذلك بقيت تمثل بلسما شافيا كلما أثخنت جسمي الجراح .... انطلقت من مقر عملي مباشرة ، بعد أن هاتفت أحد أصدقائي لكي أبلغه بتوجهي إليه إلا أنه طلب مني أن أصطحب أحد أصدقائه ، فأخذته معي ، لكنني بقيت في قراءة لشخصيته طول الطريق ؛ لأنه يختلف عني سنا وشكلا وسلوكا ، وفي الطريق وقفت لأترجل من المركبة لشراء بعض السوائل ، لكنه سبقني بالترجل وقال أنا سأحضر لك ماتريد ، فأنا أصغر منك سنا ، ماذا تريد غير الماء ياشيخ ؟ علبة من رحيق الزنجبيل الإنجليزي إن أمكن ، ذهب وعاد بالماء والزنجبيل وشيء من المشروبات المنعشة ، واصلنا السير على طريق ، المرصوف منه أسوأ من المكسر ، يضيف إلى الهم هموما وإلى الألم آلاما وإلى الحزن أحزانا ..... وفي الوقت الذي أنا أتألم لما تعانيه مركبتي من ذلك الطريق السيء ، ويهيم تفكيري في عجز السلطات عن رصفه ، وعدم اكتراثهم لما يعانيه المواطن ، استرق السمع والبصر معا نحو رفيقي ، وإذا به يحتسي أكثر من علبة من المشروبات المنعشة تباعا ، ولم ينتبه إلى أنني أرقبه بطرف خفي ، وبعد هنيهة من الوقت نظر إلي ثم سأل ؛ هل يقوي الجنس رحيق الزنجبيل ؟ قلت : كلا ولكن يقولون إنه يخفف من كمية الدهون في الجسم ، عندها أدركت سبب احتسائه للمشروبات المنعشة ، وهنا بدأ يتسلل إلى نفسي فضول المعرفة ، فسألته ، ماذا لديك في حاضرة الشمايتين ؟ ابتسم ثم قال باستحياء لكي أتزوج بفتاة هناك ، أولم تتزوج من قبل ؟ بلى متزوج باثنتين وهذه ستكون الثالثة ، ولكن أنت مازلت شابا يافعا ، ومن تزوجتهن لاشك إنهن مازلن فتيات ، فلماذا هذا الإفراط في تعدد الزوجات ؟ ضحك حتى القهقهى ، ثم أجاب بالقول : نحن منهجنا في الحياة الدنيا يقوم على أمرين اثنين ؛ الأول هو الإكثار من تناول الطعام الطيب والآخر هو الإفراط في نكاح الفتيات بالحلال .... حاولت مرارا أجره إلى الحديث عن معاناة البلاد والعباد ، لكنه ظل يسبح في فلكه ويتجاهل ما أطرحه ، فأدركت عند ذاك أن مجتمعنا قد انقسم على أربعة أفرقاء ؛ فريق يرفع قميص عثمان ، وهدفه الحقيقي هو الوصول إلى المال فقط حتى لو كلفه ذلك بيع البلاد والعباد في مزادات النخاسة وفريق يرفع شعار يالثارات الحسين ،غيرأننا لانعلم إلى هذه اللحظة ماهدفه المضمر ؟ وثالث يقتات بدماء البسطاء ويتاجر ببيع الوهم على الأغبياء، يعد الأخ محتلا والعدو محررا، يحن لماض سحيق لا يقبله عاقل .... أما الفريق الرابع والأخير فيطيع ولي الأمر وإن كان من خارج الحدود ويخالف في المنهج العباد، لاهم له غيرالافراط في التهام اللحوم ،أكان ذلك من الحيوان أو من أنثى الإنسان .وأظن أن رفيقي في رحلتي إلى حاضرة الشمايتين ينتسب إلى الأخير ، هذا إذا لم يخالف تاويلي الصواب.....
في أحدث رحلاتي إلى الشمايتين ...
2021/11/28 - الساعة 02:56 صباحاً