من ملف الذكريات.. ليال في دمشق 3

لقد كان النهار في دمشق جميلا لكنه ليس بروعة الليل . أما الليلة - أعزائي الكرام - فسوف أمضي بكم  إلى مكتبة الأسد ، التي رفدتني بكثير من العلوم الأدبية واللغوية والسياسية والتاريخية وغيرها ،  كما  أعجبت بأمور كثيرة فيها ، منها ؛ النظام الإلكتروني السريع ، فأنت تقدم لسكرتارية المكتبة اسم الكتاب الذي تريده فقط ، وهم يطلبوه إلكترونيا من المكتبة ، فماهي إلا دقائق والكتاب أمامك على الطاولة ، وإذا لم تكن قد دونت الكتب التي تريدها ، وتريد البحث اليدوي فلابأس عندهم من دخولك المكتبة والقيام بالبحث اليدوي عن أي كتاب تريده ... لكن الأجمل من ذلك هو تلك الكفتيريا التي تقع في الجهة الشرقية من الطابق الثالث من مبنى المكتبة ، فإذا ماذهبت إليها بعد عناء الكتب ، سر ناظرك بنظافتها ، ثم بالحسناوات اللواتي يصنعن القهوة الشامية والوجبات السريعة ، ويقمن بخدمتك ، الأمر الذي يجعلك في خجل منهن ، ومما يتحلين به من أدب في التعامل وأخلاق تزيد جمالهن جمالا  . كذلك مما استهواني في مكتبة الأسد تلك القاعة الجميلة المفروشة بالسجاد الأحمر التي لاتخلو من الفعاليات السياسية والأدبية والتاريخية والاقتصادية وغيرها ، فقد حضرت محاضرة رائعة في ليلة طيبة من ليالي المقاومة والممانعة  ، ألقى فيها الأستاذ القدير والإعلامي الكبير غسان بن جدو شيئا من تجربته ومعرفته بمنهج الثأر لدى المقاومة . وقد تأثرت كثيرا بالمقدمة الترحيبية الهادئة التي قدمها ذلك الأستاذ الدمشقي بإسم مدينة الياسمين وكيف احتفت بضيفها المقاوم . انتهى الضيف العربي من محاضرته ، فاستوقفناه لالتقاط بعض الصور ، وكأننا كنا نعلم أن لقاء آخر في دمشق لن يكون قريبا ؛ لأن القدر قد أعد  لها مالاتحمد عقباه ، رافقنا ضيفنا إلى أن صعد إحدى المركبات الرئاسية التي قد خصصت لتنقله في دمشق ، والقمر قد أطل من أعلى قانسيون ،وكأنه أراد أن يضيف إلى جمال دمشق جمالا ، وإلى ابتهاجها بالضيف المقاوم بهجة . كذلك حضرت مساء آخر في تلك القاعة بمكتبة الأسد ، ولكن هذه الليلة كانت مع منتدى تريم الذي كانت تديره السيدة ريم زوج الرئيس الأسبق علي ناصر محمد ، إذ كانت تحيي ليلة  الأربعاء من آخر كل شهر ثقافيا ، وذلك باستقدام  أستاذ متخصص في علم من العلوم ، وفي تلك الليلة كان المستقدم متخصصا في الآثار ، وقد قدم  من فسطاط عمرو بن العاص ........حقا كنت أقضي ساعات النهار في انتظار الليل بصبر نافذ ؛ لأن ليل الشام لايعبر عن السواد والظلمة كالليل في مكان آخر  ، ليل الشام له نكهة  فريدة  ؛ تنفث بعبق تاريخ عزة العرب وعنفوان الفتح والفاتحين ، وحاضر الصمود والإصرار على التحدي ، والممانعة من الوقوع في مستنقع وحل المطبعين ، ومقاومة الانبطاح للأعداء والركوع لكيان الغاصبين ..... أخي القارئ سوف أحدثك في الليالي القادمة عن زيارتي لمرقدي البطلين العربيين العظيمين ؛ خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي ....فإلى أن نلتقي للحديث بقية .